اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ} (12)

قوله تعالى : { هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق } الآية لما خوَّف العباد بإنزال ما لا مرد له ، أتبعه بذكر هذه الآية المشتملة على قدرة الله تعالى وحكمته ، وهي تشبه النعم والإحسان من بعض الوجوه ، وتشبه العذاب ، والقهر من بعض الوجوه .

قوله : " خوفاً وطمعاً " يجوز أن يكونا مصدرين ناصبهما محذوف ، أي : يخافون خوفاً ، ويطمعون طمعاً ، ويجوز أن يكونا مصدرين في موضع نصب على الحالِ ، وفي صاحب الحال حينئذ وجهان :

أحدهما : أنه مفعول : " يُرِيكُمْ " الأول ، أي : خائفين طامعين ، أي : تخافون صواعقه وتطمعون في مطره ، كما قال المتنبي : [ الطويل ]

3170 فَتًى كالسَّحابِ الجُونِ يُخْشَى ويُرْتَجَى *** يُرجَّى الحَيَا مِنهَا وتُخْشَى الصَّوعِقُ

والثاني : أنَّه البرق ، أي : يريكموه حالَ كيف ذا خوفٍ وطمعٍ ، إذ هو ف ينفسه خوف وطمع على المبالغة ، ولمعنى كما تقدَّم .

ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله ، ذكره أبو البقاء ، ومنعه الزمخشريُّ لعدم اتِّحادِ الفاعل ، يعني أنَّ " الإرادة " وهو الله تعالى غير فاعل الخوف ، والطمع ، وهو ضمير المخاطبين ، فاخلتف فاعل الفعل المعلل ، وفاعل العلة وهذا يمكن أن يجاب عنه : بأنَّ المفعول في قوَّة الفاعل ، فإن معنى " يُرِيكُم " يجعلكم رائين ، فتخافون ، وتطمعون .

ومثله ف يالمعنى قوله النابغة الذبياني : [ الطويل ]

3171 وحَلَّتْ بُيوتِي في يَفاعٍ مُمنَّعٍ *** تَخالُ بهِ رَاعِي الحَمُولةِ طَائِرَا

حِذَاراً على الاَّتَنال . . . مَقادَتِي *** ولا نِسْوتِي حتَّى يَمُتْنَ حَرائِرَا

ف " حذارا " مفعول من أجله ، فاعله هو المتكلم ، والفعل المعلل الذي هو : " حَلَّت " فاعله " بُيُوتِي " فقد اختلف الفاعل ، قالوا : لكن لما كان التقدير : وأحللت بيوتي حذاراً صحَّ ذلك . وقد جوَّز الزمخشريُّ ذلك أيضاً على حذف مضاف فقال : " إلاَّ على تقدير حذف مضاف ، أي : إرادة خوفٍ ، وطمع ، وجوَّزه ، أيضاً على أن بعض المصادر ناب عن بعض . يعني أن الأصل : يريكم البرق إخافة ، وإطماعاً " .

فإنَّ المرئي ، المخيف ، والمطمع هو الله تعالى فناب خوف عن أخافة ، وطمع عن إطماع ، نحو : { أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] على أنه قد ذهب ابن خروف ، وجماعة على أنَّ اتحاد الفعل ليس بشرط .

فصل

في كون البرق خوفاً وطمعاً وجوه :

قيل : يخاف منه نزول الصَّواعق ، وطمع في نزول الغيثِ . وقيل : يخافُ المطر من يتضرر به كالمسافر ، ومن في جرابه التمر والزبيب ، والحب ، ويطمع فيه من له فيه نفعٌ .

وقيل : يخاف منه في غير مكانه ، وأمانه ، يطمع فيه إذا كان في مكانه وأمانه ، ومن البلدان إذا مطروا ، قحطوا ، وإذا لم يمطروا خصبوا .

قال ابن الخطيب : " البرقُ جسمٌ مركبٌ من أجزاء رطبة مائية ، ومن أجزاء هوائية ولا شك أنَّ الغالب عليه الأجزاء المائية ، والماء جسمٌ باردٌ رطبٌ ، والنَّار جسم حار يابس فظُورُ الضدِّ من الضد التام على خلافِ العقل ، فلا بد من صانع مختاار يظهر الضدّ من الضدّ " .

ثم قال : " ويُنْشِىءُ السَّحاب الثِّقَال " بالمطر ، ويقال : أنشأ الله السحابة ، فنشأت ، أي : أبدأها فبدأت .

قال الزمخشري : " السَّحابُ : اسم جنس الواحدة سحابة ، والثقال : جمع ثقيلة ؛ لأنَّك تقول : سحابةٌ ثقيلةٌ وسحابٌ ثِقَال ، كما تقول : امرأةٌ كريمة ، ونساءٌ كِرام " .

وقال البغوي : " السَّحاب جمع ، واحدتها : سحابة ، ويقال في الجمع : سُحُبٌ وسَحَائِبُ أيضاً ، قال عليٌّ : السحاب غربال الماءِ " .

فصل

قال ابن الخطيب : " وهذا من دلائل القدرة والحكمة ، وذلك لأنَّ هذه الأجزاء المائية إمَّا أن يقال : حدثيت في جو جو الهواءِ أو تصاعدت من وجه الأرض ، فإن كان الأوَّل وجب أن يكون [ حدوثها ] بأحداث محدث حكيم قادر ، وهو المطلوب ، وإن كان الثاني هو أن يقال : تلك الأجزاء تصاعدت من الأرض ، فلمَّا وصلت إلى الطبقة الباردة من الهواء بردت ، فثقلت ، فرجعت إلى الأرض .

فنقول : هذا باطلٌ ؛ لأن الأمطار مختلفة ، فتارة تكمون القطرات كبيرة ، وتارة تكون صغيرة ، وتارة تكون متقاربة ، وأخرى تكون متباعدة ، وتارة تطول مدة نزول المطر ، وتارة تقصر واختلاف الأمطار في هذه الصفِّات مع أنَّ طبيعة الأرض واحدة ، وطبيعة الشمس واحدة فلا بد وأن يكون تخصيص الفاعل المختار ، وأيضاً فالتَّجربة دلَّت على أنَّ للدعاء والتَّضرع في نزول الغيث أثراً عظيماً كما في الاستسقاء ومشروعيته ، فعلمنا أنَّ المطر فيه [ قدرة ] الفاعل لا الطبيعة ، والخاصية " .