اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِنۢ بَعۡدِ نُوحٖۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا} (17)

والمراد منه أنَّ الطريق الذي ذكرناه هو عادتنا مع الذين يفسقون ، ويتمرَّدون فيما تقدم من القرون الذين كانوا بعد نوح ؛ كعادٍ وثمود ، وغيرهم ، ثم إنه - تعالى - خاطب رسوله - صلوات الله عليه - بما يكون خطاباً وردعاً وزجراً للكُلِّ ، فقال جلَّ ذكره : { وكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } وهذا تخويف لكفَّار " مكَّة " .

و " كَمْ " نصب بأهلكنا ، و " مِنَ القُرونِ " تمييزٌ ل " كَمْ " و " مِن بَعدِ نُوح " : " مِنْ " لابتداء الغاية ، والأولى للبيان ، فلذلك اتَّحدَ متعلقهما ، وقال الحوفيُّ : " الثانية بدلٌ من الأولى " ، وليس كذلك ؛ لاختلاف معنييهما ، والباء بعد " كَفَى " تقدم الكلام عليها ، وقال ابن عطيَّة : " إنما يجاءُ بهذه الباء في موضع مدحٍ أو ذمٍّ " والباء في " بِذنُوب " متعلقة ب " خَبِيراً " وعلَّقها الحوفيُّ ب " كَفَى " .

قال الفراء - رحمه الله- : لو ألغيت الباء ؛ من قوله : " بربِّكَ " جاز ، وإنما يجوز دخول الباء في المرفوع إذا كان يمدحُ به أو يذمُّ ؛ كقولك : كفاك به ، وأكرم به رجلاً ، وطاب بطعامك طعاماً ، وجاد بثوبك ثوباً .

أما إذا لم يكن مدحاً أو ذمًّا ، لم يجز دخولها ، فلا يجوز أن يقال : " قَامَ بِأخيكَ " وأنت تريد : " قَامَ أخُوكَ " .

فصل في مقدار القرن

قال عبد الله بن أبي أوفى : القرنُ : عشرون ومائة سنة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أوَّل قرنٍ ، وكان آخره يزيد بن معاوية{[20296]} ، وقيل : مائة سنة .

رُوِيَ عن محمد بن القاسم عن عبد الله بن بسرٍ المازنيّ : أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه ، وقال : " سَيعيشُ هذا الغُلام قَرْناً " وقال محمد بن القاسم - رضي الله عنه - : فما زلنا نعدُّ له ؛ حتَّى تمت له مائة سنة ، ثمَّ مات{[20297]} .

وقال الكلبيُّ : ثمانون سنة{[20298]} .

وقيل : أربعون سنة{[20299]} .


[20296]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/54) وذكره البغوي في "تفسيره" (3/109).
[20297]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/54) من طريق محمد بن القاسم عن عبد الله بن بسر به. ورواه الحاكم (2/549) من وجه آخر عن عبد الله أيضا. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (5/71) وزاد نسبته إلى ابن مردويه.
[20298]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/109).
[20299]:ينظر: المصدر السابق.