اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ عَصِيّٗا} (44)

{ يا أبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان } أي : لا تطعهُ فيما يزيِّن لك من الكُفر والشِّرك ؛ لأنَّهم ما كانُوا يعبدُون الشيطان ؛ فوجب حملُه على الطَّاعة { إن الشَّيْطَانَ كَانَ للرحمن عَصِيّاً } أي : عاصياً ، و " كَانَ " بمعنى الحالِ ، أي : هو كذلك .

فإن قيل : هذا القول يتوقف على إثبات أمور :

أحدها : إثباتُ الصَّانع .

وثانيها : إثباتُ الشيطان .

وثالثها : أن الشيطان عاصٍ [ لله ]{[21640]} .

ورابعها : أنَّه لما كان عاصياً ، لم تَجُزْ طاعتهُ في شيءٍ من الأشياء .

وخامسها : أن الاعتقاد الذي كان عليه آزرُ مُستفادٌ من طاعة الشيطان ، ومن شأنِ الدَّلالة التي تُورَدُ على الخصم : أن تكون مركبة من مقدِّمات معلومةٍ يسلِمها الخصمُ ، ولعلَّ أبا إبراهيم كان منازعاً في كُلِّ هذه المقدِّمات{[21641]} ، وكيف ، والمحكيُّ عنه : أنه ما كان يُثْبِتُ إلهاً سوى نُمْرُوذَ ؛ فكيف يسلِّم وجود الرَّحمن ؟

وإذا لم يسلِّم وجوده ، فكيف يسلَّم أنَّ الشيطان عاص في الرحمن ؟ وبتقدير تسليم ذلك ؛ فكيف يسلِّم الخصمُ بمجرَّد هذا الكلامِ أنَّ مذهبهُ مقتبسٌ من الشيطان ، بل لعلَّه يقلب ذلك على خصمه .

فالجوابُ :

أنَّ الحجَّة المعوِّل عليها في إبطالِ مذهب " آزَرَ " هو قوله : { لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } وهذا الكلامُ يجري مَجْرَى التَّخويف والتَّحذير الذي يحمله على النظر في تلك الدَّلالة ، فسقط السُّؤال .


[21640]:في ب: في الله.
[21641]:في أ: المقامات.