قوله : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة } هذا أمرٌ لمحمَّد -صلوات الله عليه وسلم- بأن ينذر من في زمانه ، والإنذار : التخويفُ من العذاب ، لكي يحذروا ترك عبادةِ الله تعالى ، ويوم الحسرة : هو يوم القيامة ؛ لأنَّه يكثر التحسُّر من أهل النَّار .
وقيل : يتحسَّر أيضاً في الجنَّة ، إذا لم يكن من السابقين إلى الدَّرجات العالية ؛ لقول رسول الله -صلوات الله عليه وسلامه- : " مَا مِنْ أحدٍ يمُوتُ إلاَّ ندمَ ، قالوا : فَما ندمهُ يا رسُول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال صلى الله عليه وسلم : إنَّ كان مُحْسناً ، ندم ألاَّ يكون ازداد ، وإن كان مسيئاً ندم ألاَّ يكون نزَعَ " {[21623]} والأول أصحُّ ؛ لأن الحسرة [ هَمٌّ ]{[21624]} ، ولا تليقُ بأهْل الجنَّة .
قوله : { إِذْ قُضِيَ الأمر } : يجوز أن يكون منصوباً بالحسرةِ ، والمصدرُ المعرَّفُ ب " ألْ " يعملُ في المفعولِ الصَّريح عند بعضهم ، فكيف بالظَّرف ؟ ويجوز أن يكون بدلاً من " يَوْم " فيكون معمولاً ل " أنْذِرْ " كذا قال أبو البقاء{[21625]} ، والزمخشريُّ وتبعهما أبو حيان ، ولم يذكر غير البدل ، وهذا لا يجوز إن كان الظَّرف باقياً على حقيقته ؛ إذ يستحيلُ أن يعمل المستقبلُ في الماضي ، فإن جعلت " اليوم " مفعولاً به ، أي : خوِّفهُم نفس اليوم ، أي : إنَّهُم يخافُون اليوم نفسهُ ، صحَّ ذلك لخُرُوجِ الظَّرف إلى حيِّز المفاعيل الصريحة .
فصل في قوله تعالى { إِذْ قُضِيَ الأمر }
في قوله تعالى : { إِذْ قُضِيَ الأمر } وجوه :
أحدها : قُضِيَ الأمرُ ببيان الدَّلائل ، وشرح أمر الثَّواب والعقاب .
وثانيها : [ إذ قضي الأمرُ يوم الحسرة بفناء الدُّنيا ، وزوالِ التَّكليف ، والأول أقرب ؛ لقوله : { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } .
وثالثها : ]{[21626]} " إذْ قُضِيَ الأمْرُ " فُرِغَ من الحساب ، وأدخل أهل الجنَّة الجنَّة ، وأهلُ النَّار النَّار ، وذُبح الموتُ ؛ كما روي أنَّه سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن قوله : { إِذْ قُضِيَ الأمر } فقال : " حِينَ يَجاءُ بالموتِ على صُورة كبشٍ أمْلَحَ ، فيذبحُ ، والفريقان ينظران ؛ فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحٍ ، وأهلُ النَّار غمَّا إلى غمِّ " {[21627]} .
قوله تعالى : { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } جملتان حاليتان ، وفيهما قولان :
أحدهما : أنهما حالان من الضمير المستتر في قوله { في ضلال مبين } أي : استقروا في ضلال مبين على هاتين الحالتين السيئتين .
والثاني : أنهما حالان من مفعول " أنذِرْهُم " [ أي : أنذرهُم على هذه الحالِ ، وما بعدها ، وعلى الأول يكون قوله { وأنْذِرْهُم } ] اعتراضاً .
والمعنى : وهم في غفلةٍ عمَّا يفعلُ بهم في الآخرة { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ولا يصدقون بذلك اليومِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.