اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

قوله : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة } هذا أمرٌ لمحمَّد -صلوات الله عليه وسلم- بأن ينذر من في زمانه ، والإنذار : التخويفُ من العذاب ، لكي يحذروا ترك عبادةِ الله تعالى ، ويوم الحسرة : هو يوم القيامة ؛ لأنَّه يكثر التحسُّر من أهل النَّار .

وقيل : يتحسَّر أيضاً في الجنَّة ، إذا لم يكن من السابقين إلى الدَّرجات العالية ؛ لقول رسول الله -صلوات الله عليه وسلامه- : " مَا مِنْ أحدٍ يمُوتُ إلاَّ ندمَ ، قالوا : فَما ندمهُ يا رسُول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال صلى الله عليه وسلم : إنَّ كان مُحْسناً ، ندم ألاَّ يكون ازداد ، وإن كان مسيئاً ندم ألاَّ يكون نزَعَ " {[21623]} والأول أصحُّ ؛ لأن الحسرة [ هَمٌّ ]{[21624]} ، ولا تليقُ بأهْل الجنَّة .

قوله : { إِذْ قُضِيَ الأمر } : يجوز أن يكون منصوباً بالحسرةِ ، والمصدرُ المعرَّفُ ب " ألْ " يعملُ في المفعولِ الصَّريح عند بعضهم ، فكيف بالظَّرف ؟ ويجوز أن يكون بدلاً من " يَوْم " فيكون معمولاً ل " أنْذِرْ " كذا قال أبو البقاء{[21625]} ، والزمخشريُّ وتبعهما أبو حيان ، ولم يذكر غير البدل ، وهذا لا يجوز إن كان الظَّرف باقياً على حقيقته ؛ إذ يستحيلُ أن يعمل المستقبلُ في الماضي ، فإن جعلت " اليوم " مفعولاً به ، أي : خوِّفهُم نفس اليوم ، أي : إنَّهُم يخافُون اليوم نفسهُ ، صحَّ ذلك لخُرُوجِ الظَّرف إلى حيِّز المفاعيل الصريحة .

فصل في قوله تعالى { إِذْ قُضِيَ الأمر }

في قوله تعالى : { إِذْ قُضِيَ الأمر } وجوه :

أحدها : قُضِيَ الأمرُ ببيان الدَّلائل ، وشرح أمر الثَّواب والعقاب .

وثانيها : [ إذ قضي الأمرُ يوم الحسرة بفناء الدُّنيا ، وزوالِ التَّكليف ، والأول أقرب ؛ لقوله : { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } .

وثالثها : ]{[21626]} " إذْ قُضِيَ الأمْرُ " فُرِغَ من الحساب ، وأدخل أهل الجنَّة الجنَّة ، وأهلُ النَّار النَّار ، وذُبح الموتُ ؛ كما روي أنَّه سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن قوله : { إِذْ قُضِيَ الأمر } فقال : " حِينَ يَجاءُ بالموتِ على صُورة كبشٍ أمْلَحَ ، فيذبحُ ، والفريقان ينظران ؛ فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحٍ ، وأهلُ النَّار غمَّا إلى غمِّ " {[21627]} .

قوله تعالى : { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } جملتان حاليتان ، وفيهما قولان :

أحدهما : أنهما حالان من الضمير المستتر في قوله { في ضلال مبين } أي : استقروا في ضلال مبين على هاتين الحالتين السيئتين .

والثاني : أنهما حالان من مفعول " أنذِرْهُم " [ أي : أنذرهُم على هذه الحالِ ، وما بعدها ، وعلى الأول يكون قوله { وأنْذِرْهُم } ] اعتراضاً .

والمعنى : وهم في غفلةٍ عمَّا يفعلُ بهم في الآخرة { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ولا يصدقون بذلك اليومِ .


[21623]:أخرجه الترمذي (4/522) كتاب الزهد باب 58، رقم (2403) من طريق يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا وقال: هذا حديث إنما تعرفه من هذا الوجه ويحيى بن عبيد الله قد تكلم فيه شعبة. ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم (8/178) وقال غريب من حديث يحيى لم نكتبه إلا من حديث ابن المبارك.
[21624]:في ب: غم.
[21625]:ينظر: الإملاء 2/114.
[21626]:سقط من:ب.
[21627]:أخرجه البخاري (8/282) كتاب التفسير: باب وأنذرهم يوم الحسرة حديث (4730) ومسلم (4/2188) كتاب الجنة: باب النار يدخلها الجبارون حديث (40/2849) من حديث أبي هريرة.