فلما سمع إبراهيمُ- صلوات الله وسلامه عليه- كلام أبيه ، أجاب بأمرين :
أحدهما : أنه وعدُه بالتَّباعُد منه ؛ موافقة وانقياداً لأمْرِ أبيه . والثاني : قوله : { سَلاَمٌ عَلَيْكَ } توديعٌ ، ومتاركةٌ ، أي : سلمتَ منِّي لا أصيبُك بمكروهٍ ؛ وذلك لأنَّه لم يؤمر بقتاله على كفره ؛ كقوله تعالى : { لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الجاهلين } [ القصص : 55 ] ، { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [ الفرقان : 63 ] .
وهذا يدلُّ على جواز متاركة المنصُوح ، إذا ظهر منه اللَّجاج ، وعلى أنَّه تحسُن مقابلةُ الإساءةِ بالإحسان ، ويجوزُ أن يكون دعا لهُ بالسَّلامة ؛ استمالة له .
ألا ترى أنَّه وعدُه بالاستغفار ؛ فيكون سلام برٍّ ولطفٍ ، وهو جوابُ الحليمِ للسَّفيه ؟ !
كقوله سبحانه : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [ الفرقان : 63 ] .
وقرأ أبو البرهسم{[21654]} " سلاماً " بالنصب ، [ وتوجيهها ]{[21655]} واضحٌ ممَّا تقدَّم .
قوله : { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي } ، أي : لمَّا أعياه أمرُه ، وعدهُ أن يراجع الله فيه ، فيسألهُ أن يرزقه التَّوحيد ، ويغفر له ، والمعنى : سأسأل الله لك توبةٌ تنالُ بها المغفرة : { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } برَّا لطيفاً .
واحتجَّ بهذه الآية من طعن في عصمة الأنبياءِ- صلوات الله عليهم- وذلك أنَّ إبراهيم- صلوات الله عليه وسلامه- استغفر لأبيه ، وأبُوه كان كافراً ، والاستغفارُ للكُفَّار غيرُ جائزٍ ؛ فثبت أنَّ إبراهيم- صلوات الله عليه- فعل ما لا يجوزُ .
أما استغفارهُ أبيه ؛ فلقوله : { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي } وقوله : { واغفر لأبي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضآلين } [ الشعراء : 86 ]
وأما كون أبيه كافراً ؛ فبالإجماع ، ونصِّ القرآن .
وأمَّا أن الاستغفار [ للكافر ] لا يجوزُ ؛ فلقوله تعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانوا أُوْلِي قربى } [ التوبة : 113 ] ولقوله- عزَّ و جلَّ- في سورة الممتحنة { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ } إلى قوله : { إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [ الممتحنة : 4 ] .
والجوابُ : أن الآية تدلُّ على أنَّه لا يجوزُ لنا التأَّسِّي به في ذلك ؛ لكنَّ المنع من التَّأسِّي به في ذلك لا يدلُّ على أنَّ ذلك كان معصيةٌ ؛ فإن كثيراً من الأشياء هي من خواصِّ رسُول الله- صلوات الله عليه وسلامه- ولا يجُوزُ لنا التَّأسِّي به فيها ، مع أنَّها كانت مباحةٌ له .
وأيضاً : لعلَّ هذا الاستغفار كان من باب ترك الأولى ، وحسناتُ الأبْرارِ سيِّئاتُ المقرَّبينَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.