اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ أَتُحَآجُّونَنَا فِي ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ وَلَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُخۡلِصُونَ} (139)

الاستفهام في قوله :{ أَتُحَاجُّونَنَا }للإنكار والتوبيخ .

والجمهور :{ أتحاجوننا }بنونين الأولى للرفع ، والثانية نون " نا " .

وقرأ زيد والحسن والأعمش رحمهم الله بالإدغام .

وأجاز بعضهم حذف النون الأولى .

فأما قراءة الجمهور فواضحة .

وأما قراءة الإدغام فلاجتماع مثلين ، وسوغ الإدغام وجود حرف المد واللين قبله القائم مقام الحركة .

وأما من حذف فبالحمل على نون الوقاية كقراءة : { فَبِمَ تُبشِّرُونِ } [ الحجر : 54 ] ؛ وقوله : [ الوافر ]

819- تَرَاهُ كَالثَّغَامِ يُعَلُّ مِسْكاً *** يَسُوءُ الفَالِيَاتِ إذَا فَلَيْنِي

يريد " فَليْنَنِي " ، وهذه الآية مثل قوله : { أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ } [ الزمر : 64 ] ، فإنه قرئت بالأوجه الثلاثة : الفَكِّ والإدغام والحذف ، ولكن في المتواتر .

وهنا لم يُقْرأ في المشهور كما تقدَّم إلا بالفكّ .

ومَحَلُّ هذه الجملة النصب بالقول قبلها .

والضمير في " قل " يَحْتَمِلُ أن يكون للنبي عليه السَّلام أو لكلّ من يصلح للخطاب ، والضمير المرفوع في : " أتحاجُّوننا " لليهود والنصارى ، أو لمشركي العرب أو للكلّ .

و " المحاجّة " مفاعلة من حَجَّه يَحُجُّهُ .

فصل في تحرير معنى المحاجّة

اختلفوا في تلك المحاجة : فقيل : هي قولهم : إنهم أولى بالحق والنبوة لتقدم النبوة فيهم ، والمعنى : أتجادلوننا في أن الله اصطفى رسوله من العرب لأمتكم ، وتقولون : لو أنزل الله على أحد لأنزل عليكم ، وترونكم أحق بالنبوة منا .

وقيل : هي قولهم : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] وقولهم : { لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى } [ البقرة : 111 ] ، وقولهم : { كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ } [ البقرة : 135 ] قاله الحسن رضي الله عنه .

وقيل : { أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ } أي : أتجادلوننا في دين الله .

وقوله : " في الله " لا بد من حذف مضاف أي : في شأن الله ، أو دين الله .

قوله : " وَهُوَ رَبُّنَا " مبتدأ وخبر في محلّ نصب على الحال ، وكذا ما عطف عليه من قوله : " وَلَنَا أعمالنا " ولا بد من حذف مضاف أي : جزاء أعمالنا ، ولكم جزاء أعمالكم .

فصل

قوله : { وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } فيه وجهان :

الأول : أنه أعلم بتدبير خلقه ، وبمن يصلح للرسالة ، وبمن لا يصلح لها ، فلا تعترضوا على ربكم ، فإنّ العبد ليس له أن يعترض على ربه ، بل يجب عليه تفويض الأمر إليه .

الثاني : أنه لا نسبة لكم إلى الله تعالى إلا بالعبودية وهذه النسبة مشتركة بيننا وبينكم ، فلم ترجّحون أنفسكم علينا ، بل الترجيح من جانبنا ؛ لأنا مخلصون له في العبودية ، ولستم كذلك ، وهذا التأويل أقرب .

قوله تعالى : { لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } المراد منه النَّصيحة في الدين ، كأنه تعالى قال لنبيه : قل لهم هذا القول على وجه الشَّفقة والنصيحة ، أي : لا يرجع إليَّ من أفعالكم القبيحة ضرر حتى يكون المقصود من هذا القول دفع ذلك الضرر ، وإنما المراد [ نصحكم ] وإرشادكم إلى الأصلح .