إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ} (149)

{ يا أَيُّهَا الذين آمَنُوا } شروعٌ في زجرهم عن متابعة الكفارِ ببيان استتباعِها لخسران الدنيا والآخرة إثرَ ترغيبِهم في الاقتداء بأنصار الأنبياءِ ببيان إفضائه إلى فوزهم بسعادة الدارين ، وتصديرُ الخطابِ بالنداء والتنبيهِ لإظهار الاعتناءِ بما في حيِّزه ، ووصفُهم بالإيمان لتذكير حالِهم وتثبيتِهم عليها بإظهار مباينتِها لحال أعدائِهم كما أن وصفَ المنافقين بالكفر في قوله تعالى : { إِن تُطِيعُوا الذين كَفَرُوا } لذلك قصداً إلى مزيد التنفيرِ عنهم والتحذيرِ عن طاعتهم ، قال علي رضي الله عنه : نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمةِ : ارجِعوا إلى إخوانكم وادخُلوا في دينهم ، فوقوعُ قوله تعالى : { يَرُدُّوكُمْ على أعقابكم } جواباً للشرط -مع كونِه في قوة أن يقال : إن تُطيعوهم في قولهم : ارجِعوا إلى إخوانكم وادخُلوا في دينهم يُدخِلونكم في دينهم- باعتبار كونه تمهيداً لقوله تعالى : { فَتَنقَلِبُوا خاسرين } أي للدنيا والآخرة غيرَ فائزين بشيء منهما واقعين في العذاب الخالدِ على أن الارتدادَ على العقِب عَلَمٌ على انتكاس الأمرِ ومثَلٌ في الحور بعد الكور وقيل : المراد بهم اليهودُ والنصارى حيث كانوا يستَغْنونهم ويُوقِعون لهم الشُّبَه في الدين ويقولون : لو كان نبياً حقاً لما غُلب ولمَا أصابه وأصحابَه ما أصابهم وإنما هو رجلٌ حالُه كحال غيرِه من الناس يوماً عليه ويوماً له ، وقيل : أبو سفيان وأصحابُه والمرادُ بطاعتهم استئمانُهم والاستكانةُ لهم ، وقيل : الموصولُ على عمومه والمعنى نهيُ المؤمنين عن طاعتهم في أمر من الأمور حتى لا يستجرّوهم إلى الارتداد عن الدين فلا حاجةَ على هذه التقاديرِ إلى ما مر من البيان .