اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوۡمٖ لَّا تَسۡتَـٔۡخِرُونَ عَنۡهُ سَاعَةٗ وَلَا تَسۡتَقۡدِمُونَ} (30)

قوله : «لكم ميعاد » مبتدأ وخبر . والميعاد يجوز فيه أوجه :

أحدها : أنه مصدر مضاف لظرفه{[44644]} والميعاد يطلق على الوعد والوعيد . وقد تقدم أن الوعد في الخير ، والوعيد في الشر غالباً .

الثاني : اسم أقيم{[44645]} مقام المَصْدَرِ والظَاهر الأول ، قال أبو عبيدة : الوَعْدُ والوَعِيدُ والميعاد بمعنى{[44646]} .

الثالث : أنه هنا ظرف زمان{[44647]} . ( قال الزمخشري : الميعاد ظرف الوعد من مكان أو زمان وهو{[44648]} هنا ظرف زمان ) ، والدليل عليه ( قراءة ){[44649]} من قرأ : مِيعَادٌ يَوْمٌ يعني برفعهما منونين فأبدل منه «الْيَوْمَ »{[44650]} وأما الإضافة فإضافة تبيين لقولك : سَحْقُ ثَوْبٍ ، وبعيرُ سَانِيَةٍ{[44651]} ، قال أبو حيان : ولا يتعين ما قال لاحتمال أن يكون التقدير : لكم ميعاد ميعاد يوم ، فلما حذف المضاف أعرب المضاف إليه بإعرابه{[44652]} ، قال شهاب الدين والزمخشري لو فعل مثل ذلك لسمع به{[44653]} ، وجوَّز الزمخشري في الرفع وجهاً آخر وهو الرفع على التعظيم يعني على إضمار مبتدأ وهو الذي يسمى القطع{[44654]} ، وسيأتي هذا قريباً ، وقرأ ابنُ أبي عَبْلَةَ واليَزيديّ مِيعَادٌ يوْماً بتنوين الأول ونصب «يوماً »{[44655]} منوناً وفيه وجهان :

أحدهما : أنه منصوب على الظرف والعامل فيه مضاف مقدر تقديره : لكم إنجازُ وَعْدٍ في يوم صِفَتُهُ كَيْتَ وكَيْتَ .

الثاني : أن ينتصب بإضمار فعل . قال الزمخشري : وأما نصب «اليوم » فعلى التعظيم بإضمار فعل تقديره أعني يوْماً ، ويجوز أن يكون الرفع على هذا أعني التعظيم{[44656]} . وقرأ عِيسَى{[44657]} بتنوين الأول ونصب «يَوْم » مضافاً للجُمْلة بعده{[44658]} . وفيه الوجهان المتقدمان النَّصْب على التعظيم أو الظَّرف .

قوله : { لاَ تَسْتَأخِرُونَ عَنْهُ } يجوز في هذه الجملة أن تكون صفة «لِميعَادٍ » إن عاد الضمير في «عنه » عليه أو «لِيَوْم » إن عاد الضمير في «عنه » عليه فيجوز أن يحكم على موضعها بالرفع أو الجر وأما على قراءة عيسى فينبغي أن يعود الضمير في «عنه » على «ميعاد » لأنه نَصُّوا على أنّ الظَّرْفَ إذا أضيفَ إلى جملة لم يَعُدْ منها إليه ضمير{[44659]} إلاَّ في ضرورة كقوله :

4138- مَضَتْ سَنَةٌ لِعَامٍ وُلِدْتُ فِيهِ . . . وَعَشْرٌ بَعْدَ ذَاكَ وَحِجَّتَانِ{[44660]}

فصل

تقدم الكلام في سورة الأعراف أن قوله : { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ } [ الأعراف : 34 ] يوجب الإنذار لأن معناه عدم المهلة عن الأجَل ولكن الاستقدام ما وجهه ؟ وقد تقدم ، ونذكر ههنا أنهم لما طلبوا الاستعجال بين أنه اسْتِعْجَالَ فيه كما أنه لا إمهال وهذا يفيد عظَم الأمر ، وخَطَر الخطب ، لأن الأمر الحقير إذا طلبه طالب من غيره لا يؤخره ولا يُوقفه على وقت بخلاف الأمر الخطير{[44661]} والمراد باليوم يوم القيامة وقال الضحاك : يوم الموت لا يتأخرون{[44662]} عنه ولا يتقدمون بأن يزاد في أجلكم أو ينقص .


[44644]:قاله العكبري في التبيان 1069 ومكي في المشكل 2/210 وقال ابن الأنباري في البيان 2/281 "ميعاد" مرفوع لأنه مبتدأ و "لكم" خبره والهاء في "عنه" عائدة على "الميعاد" وعلى هذا لو أضفت "يوم" إلى ما بعده فقلت: يوم لا تستأخرون عنه، لكان جائزا.
[44645]:قاله السمين في الدر 4/444.
[44646]:قاله في مجاز القرآن له 2/149.
[44647]:الكشاف 3/290 والدر المصون 4/444.
[44648]:ما بين القوسين سقط من "ب".
[44649]:سقط من "ب" أيضا.
[44650]:انظر: الكشاف 3/290 ولم ينسبها إلى قارىء معين.
[44651]:معنى بعير سانية: بعير يحمل أداة السقاء لري الزرع، ومعنى ثوب سحق أن الثوب خلق وبال، انظر: اللسان : "س ن أ" و "س ح ق".
[44652]:انظر: البحر المحيط 7/282.
[44653]:الدر المصون 4/444.
[44654]:قال: "ويجوز أن يكون الرفع على هذا أعني التعظيم" انظر: الكشاف 3/290.
[44655]:من القراءات الشواذ غير المتواترة قال بها ابن خالويه في المختصر 122 والفراء في معانيه 2/362 وابن الأنباري في البيان 2/281.
[44656]:الكشاف المرجع السابق.
[44657]:المراد به عيسى البصري ابن عمر الثقفي.
[44658]:البحر 7/282 والدر المصون 4/444 و 445 وانظر: مشكل الإعراب لمكي 2/120 وبيان ابن الأنباري 2/281.
[44659]:قال مكي في المشكل: "ولا يجوز إضافة يوم إلى ما بعده إذا جعلت الهاء ليوم لأنك تضيف الشيء إلى نفسه وهو اليوم تضيفه إلى جملة فيها هاء هي اليوم فتكون قد أضفت اليوم إلى الهاء وهو هي" المشكل 2/120 ونفس الأمر قاله ابن الأنباري في البيان 2/281.
[44660]:من تام الوافر وينسب للنمر بن تولب والصحيح أن البيت للنابغة الجعدي ويروى "مائة" بدل سنة. وشاهده : عود الضمير في (فيه) على عام المضاف إلى جملة وتلك ضرورة شعرية لا نثرية. وقد تقدم.
[44661]:قاله الرازي 25/258.
[44662]:في "ب": تستأخرون وتستقدمون فيهما. وانظر: زاد المسير لابن الجوزي 64/456.