قوله : «أَرْوني » فيها وجهان :
أحدهما : أنها علمية متعدية قبل النقل إلى اثنين فلما جيء بهمزة النقل تعدت لثلاثةٍ أولها «ياء » المتكلم ثانيها «الموصول » ، ثالثها : «شركاء » وعائد الموصول محذوف أي أَلْحَقْتُمُوهُمْ .
والثاني : أنها بصرية متعدية قبل النقل لواحد وبعده لاثنين أولهما : يَاء المتكلم وثانيهما : الموصول و «شركاء » نصب على الحال من عائد الموصول أي بَصِّرُوني المُلْحَقِينَ به حالَ كونهم شركاء{[44608]} . قال ابن عطية في هذا الثاني «ولا غناء »{[44609]} له أي لا مَنْفَعَة فيه يعني أن معناه ضعيف{[44610]} . قال أبو حيان : وقوله : «لا غناء له » ليس بجيد بل في ذلك تبكيت لهم وتوبيخ ولا يريد حقيقة التنزيل{[44611]} بل المعنى الذين هم شركاء لله على زعمكم هم ممن إن أريتموهم افتضحتم لأنه خشب وحجر وغير ذلك{[44612]} .
الضمير في «به » أي بالله أي أروني الذين ألحقتم بالله شركاء في العبادة معه هل يخلقون وهل يرزقون ؟ كلاّ لا يَخْلُقُون ولا يرزقون{[44613]} .
قوله : «بل هو الله » في هذا الضمير قولان :
أحدهما : أنه ضمير عائد على الله تعالى أي ذلك الذي ألحقتم به شركاء هُو الله ، و «الْعَزِيزُ الحَكِيمُ » صفتان .
والثاني : أنه ضمير الأمر والشأن و «اللَّهُ » مبتدأ ، و «الْعَزِيزُ والْحَكِيمُ » خبران ، والجملة . . . خبر{[44614]} «هو » والعزيز هو الغالب على أمره ، ( و ) الحكيمُ في تدبيره لخلقه فأنى يكون له شريك في ملكه ؟
أحدها : أنه حال من كاف{[44615]} «أَرْسَلْنَاكَ » والمعنى إلا جامعاً للناس في الإبلاغ . والكافة بمعنى الجامع والهادي لله{[44616]} للمبالغة كَهي في «علاَّمَة » و «رَاوِيَة »{[44617]} قال الزجاج : وهذا بناء منه على أنه اسم فاعل من كَفَّ يَكُفُّ{[44618]} ، قال أبو حيان : أما قول الزجاج إنّ كافة بمعنى جامعاً ، والهاء فيه للمبالغة فإن اللغة لا تساعده على ذلك لأن كف ليس معناه محفوظاً بمعنى «جَمَعَ » . يعني أنَّ المحفوظ معناه «مَنَعَ » يقال : كَفّ يكُفُّ أي منع والمعنى إلا مانعاً لهم من الكفر وأن يشِذّوا من تبليغك ، ومنه الكف لأنها تَمْنَعُ مَا فِيهِ{[44619]} .
الثاني : أن كافة مصدر جاءت على الفَاعِلَةِ كالعَاقِبَة والعافية وعلى هذا فوقوعها حالاً إما على المبالغة وإما على حذف مضاف أي ذَا كَافَّةٍ لِلنَّاسِ{[44620]} .
الثالث : أن كافة صفة لمصدر محذوف تقديره : إلا إرْسَالَةً كَافَّةً قال الزمخشري : إلاَّ إرْسَالَة عامَّةً لهم محيط بهم لأنها إذا شَمِلتْهُمْ فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم{[44621]} . قال أبو حيان : أما كافة بمعنى عامة فالمنقول عن النحويين أنها لا تكون إلا حالاً ولم يتصرف فيها بغير ذلك فجعلها صفة لمصدر محذوف خروج عما نقلوا ، ولا يحفظ أيضاً استعمالها صفةً لموصوفٍ محذوفٍ{[44622]} .
الرابع : أن «كافة » حال من «لِلنَّاس » أي للناس كافةً إلا أنّ هذا قدره الزمخشري فقال : «وَمَنْ جعله حالاً من المجرور متقدماً عليه فقد أخطأ لأن تقدم حال المجرور عليه في الإحالة بمنزلة تقدم المجرور على الجار وكم ترى من يرتكب مثل هذا الخطأ ثم لا يَقَْنَعُ به حتى يضُمَّ إليه أن يجعل اللام بمعنى «إلَى » ؛ لأنه لا يستوي له الخطأ الأول إلا بالخطأ الثاني فيرتكب{[44623]} الخطأين معاً »{[44624]} . قال أبو حيان : أما قوله كذا{[44625]} فهو مختلف فيه ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز ، وذهب أبو علي{[44626]} وابن كَيْسَانَ{[44627]} وابن بَرْهَانَ{[44628]} وابن مَلْكُون{[44629]} إلى جَوَازِهِ قال : وهو الصحيح{[44630]} قال : ومن أمثله أبي علي : «زيدٌ خَيْراً مَا يكونُ خَيْرٌ مِنْكَ » التقدير : زيد خير منك خَيْراً ما يكون فجعل «خَيْراً ما يَكُونُ » حالاً من الكاف في «منك » وقدمها عليها وأنشد :
4134- إذَا الْمَرْءُ أَعَيَتْهُ المُرُوءَةُ نَاشِئاً . . . فَمَطْلَبُها كَهْلاً عَلَيْهِ شَدِيدُ{[44631]}
أي فمطلبها عليه كهلاً ، وأنشد أيضاً :
4135- تَسَلَّيْتُ طُراً عَنْكُمُ بُعْدَ بَيْنِكُمْ . . . بِذِكْرَاكُمْ حَتَّى كَأنَّكُمْ عِنْدِي{[44632]}
أي عَنْكُمْ طُرًّا ، وقد جاء تقديم الحال على صاحبها المجرور على ما يتعلق به قال الشاعر :
4136- مَشْغُوفَةً بِكَ قَدْ شُغِفْتُ وإنَّمَا . . . حُمَّ الفِرَاقُ فَمَا إلَيْكَ سَبِيلُ{[44633]}
أي قد شغفت بك مشغوفة وقال الآخر :
4137- غَافِلاً تَعْرِضُ المِنَيَّةُ لِلْمَرْءِ . . . فَيُدْعَى وَلاتَ حِينَ إباءِ{[44634]}
أي تَعْرِضُ المنيةُ للمرء غافلاً قال : وإذا جاز تقديمها{[44635]} على صاحبها وعلى العامل فيه فتقديمها على صاحبها وحده أجْوَز{[44636]} قال : وممن حمله{[44637]} على الحال ابن عطية فإنه قال : قدمت للاهتمام والمنقول عن ابن عباس قوله إلى العرب وللعجم ولسائر الأمم وتقديره إلى الناس كافةً{[44638]} . وقول الزمخشري : لا يستوي له الخطأ الأول إلى آخره شنيع لأن القائل بذلك لا يحتاج إلى جعل اللام بمعنى «إلى » لأن «أَرْسَلَ » يتعدى باللام قال تعالى : { وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً } [ النساء : 79 ] وأرسل مما يتعدى باللام وبإلى وأيضاً فقد جاءت اللام بمعنى «إلَى » و «إلَى » بمعناها{[44639]} .
قال شهاب الدين : أما أرسلناك للناس فلا دلالة فيه لاحتمال أن تكون اللام لام المجازيَّة وأما كونها بمعنى «إلى » والعكس فالبصريونَ{[44640]} لا يَتَجَوَّزُونَ{[44641]} في الحروف ، و «بَشِيراً » و «نَذِيراً » حالان أيضاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.