ثم بين{[44044]} أن هذه النعمة التي يستحق الله بها الحمد هي نعمة الآخرة أنكرها قَوْمٌ فقال : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة } . قوله : «بَلَى » جواب لقولهم{[44045]} : «لاَ تَأتينَا » وما بعدها قسمٌ على ذلك . وقرأ العامة : لتأتِيَنَّكُمْ بالتأنيث ، وقرأ ( طَلْقٌ ){[44046]} بالياء{[44047]} فقيل : ( أي ){[44048]} البعث . وقيل : على معنى الساعة أي اليوم . قاله الزمخشري{[44049]} ورده أبو حيان{[44050]} بأنه ضرورة كقوله :
4101- . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وَلاَ أرْضَ أبْقَلَ إبْقَالَهَا{[44051]}
وليس مثله ، وقيل : ( أي ){[44052]} الله بمعنى أمره . ويجوز على قياس هذا الوجه أن يكون : «عالم » فاعلاً لِتَأتِيَنَّكُمْ في قراءة مَنْ رفعه .
قوله : «عَالِمُ » قرأ الأخَوانِ : عَلاَّم على صيغة المبالغة وخفضه نعتاً ل «ربِّي{[44053]} » أو بدلاً منه . وهو قليل ؛ لكونه مشتقاً . ونافعُ وابْنُ عَامرٍ عالمٌ بالرفع{[44054]} على هُوَ عالم ، أو على أنه مبتدأ وخبره «لاَ يَعْزُبُ{[44055]} » أو على أن خبره مضمر أي هو ذكره الحَوفيّ{[44056]} . وفيه بعد{[44057]} ، والباقون عالم بالخفض على ما تقدم وإذا جعل نعتاً فلا بدّ من تقدير تعريفه . وقد تقدم أن كل صفة يجوز أن تتعرف بالإضافة إلى الصفة المشبهة ، وتقدمت قراءتا «يَعْزُب » في يُونُسِ{[44058]} .
اعلم أن الله تعالى ردَّ على مُنْكِري الساعة فقال : { قُلْ بلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } فأخبر بإتيانها وأكدها باليمين .
فإن قيل : إنهم يقولون لا ريب أو إن كانوا يقولون به لكن المسألة الأصولية لا تثبت باليمين
فأجاب عن هذا بأنه لم يقتصر على اليمين بل ذكر الدليل وهو قوله : { لِّيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } . وبيان كونه دليلاً هو أن المسيء قد يبقى في الدنيا مدة مديدة في اللذات العاجلة ويموت عليها والمحسن قد يدوم في الدنيا في الآلام الشديدة ويموت فيها فلولا دار تكون للجزاء لكان الأمر على خلاف الحكمة{[44044]} .
قوله : { لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض } فيه لطيفة وهي أن الإنسان له جسم وروح ، فالأجسام أجزاؤها في الأرض والأرواح في السماء فقوله : { لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السماوات } إشارة إلى علمه بالأرواح ، وقوله : { وَلاَ فِي الأرض } إشارة إلى علمه بالأجسام فإذا علم الروح والأجسام قدر على جمعها فلا استبعاد في{[44045]} الإعادة .
قوله : «وَلاَ أَصْغَرُ » العامة على رفع «أصْغَر وأَكْبَر » وفيه وجهان :
أحدهما : الابتداء ، والخبر قوله «إلاَّ فِي كِتَابٍ » .
والثاني : النَّسَق على «مِثْقَالِ » وعلى هذا فيكون : «إلاَّ فِي كِتَابٍ » تأكيداً للنفي في : «لاَ يَعْزُبُ » كأنه قال لكنه في كتاب مبين{[44046]} . وقرأ قتادة والأعمش ورويت عن أبي عمرو ونافع أيضاً بفتح الراءين{[44047]} . وفيها وجهان :
أحدهما : أنها «لا » التبرئة وبني اسمها معها ، والخبر قوله : «إلاَّ فِي كِتَابٍ{[44048]} » .
والثاني : النسق على «ذَرَّةٍ{[44049]} » وتقدم في يونس أن حمزة قرأ بفتح رَاءِ «أَصْغَر وأَكْبَر »{[44050]} وهنا وافق على الرفع وتقدم البحث هناك .
قال الزمخشري : فإن قلتَ : هَلاَّ جَازَ عطفُ : «وَلاَ أصْغَر » على «مِثْقَالِ » وعطف «وَلاَ أَكْبَر » على ذرة ؟
قُلْتُ : يأبى ذلك حرف الاستثناء إلا إذا جعلت الضمير في «عنه » للغيب وجعلت الغيب اسماً للخفيات قبل أن تكتب في اللوح المحفوظ لأن إثباتها في اللوح نوع من البُرُوزِ عن الحجاب على معنى أنه لا ينفصل عن الغيب شيء ولا يُزَال عنه إلا مسطوراً في اللوح{[44051]} .
قال أبو حيان : ولاَ يُحْتَاج إلى هذا التأويلٍ إذ جعلنا الكتاب ليس اللوح المحفوظ{[44052]} ، وقرأ زيد بن علي بخفض راء أصغر وأكبر{[44053]} وهي مشكلة جداً ، وخرجت على أنهما في نية الإضافة ، إذ الأصل : «ولا أصغره ولا أكبره » وما لا ينصرف إذا أضيف انجر في موضع الجر ثم حذف المضاف إليه ونوي معناه فترك المضاف بحاله{[44054]} وله نظائر كقولهم :
4102- بَيْنَ ذِرَاعِيْ وَجَبْهَةِ الأَسَدِ{[44055]} . . .
4103- يَا تَيْمَ تَيْم عَدِيِّ{[44056]} . . .
على خلاف{[44057]} . وقد يفرق بأن هناك ما يدل على المحذوف لفظاً بخلافِ هنا .
وقد ردّ بعضهم هذا التخريج لوجود «من » ؛ لأنَّ «أفعل » متى أضيف لم يجامع «مِنْ » وأجيب عن ذلك بوجهين :
أحدهما : أن ( مِنْ ) ليست متعلقة «بأفعل » بل بمحذوف على سبيل البيان ؛ لأنه لما حذف المضاف إليه أبهم المضاف فبين «بمن » ومجرورها أي أعني من ذلك .
والثاني : أنه مع تقديره للمضاف إليه نوي طرحه ، فلذلك أتى «بِمن{[44058]} » ويدل على ذلك أنه قد ورد التصريح بالإضافة مع وجود «من » قال الشاعر :
4104- نَحْنُ بِغَرْسِ الوَدِيِّ أعْلَمُنَا . . . مِنَّا بِرَكْضِ الجِيادِ في السُّدَفِ{[16]}
وخرج على هذين الوجهين إما التعلق بمحذوف وإما نية طرح المضاف إليه وهذا كما احتاجوا إلى تأويل الجمع بين «أل » ومن في أفعل كقوله :
4105- ولَسْتُ بالأكْثَرِ مِنْهُمْ حَصَى . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[17]} . . . .
وهذه توجيهات شذوذ ويكفي فيها مثل ذلك .
فصل{[18]}
قوله : { وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ } إشارة إلى أن مثقال لم يذكر للتحديد بل الأصغر منه لا يعزب .
فإن قيل : فأيُّ حاجة إلى ذكر الأكبر وإنَّ من علم الأصغر من الذرة لا بدّ وأن يعلم الأكبر ؟
فالجواب : لما كان الله تعالى أراد بيان إثبات الأمور في الكتاب فلو اقتصر على الأصغر لتوهم متوهمٌ أنه يثبت الصغائر لكونها محل النّسيان وأما الأكبر فلا ينسى فلا حاجة إلى إثباته فقال الإثبات في الكبائر ليس كذلك فإن الأكبر فيه أيضاً مكتوب ثم لما بين علمه بالصغائر والكبائر ذكر أن جميع ذلك وإثباته للجزاء فقال : { لِّيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات{[19]} } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.