اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَا ذُكِّرُواْ لَا يَذۡكُرُونَ} (13)

وقرأ ( جَنَاحُ ){[46832]} بن حبيش «ذُكِرُوا » مخففاً{[46833]} ، «وإذا رأوا آية » قال ابن عباس ومقاتل : يعني انْشِقَاقَ القمر{[46834]} «يَسْتَسْخِرُون » يسخرون ويستهزئون ، وقيل : يستدعي بعضُهم عن بعض السخرية{[46835]} وقرئ «يستسحرون » بالحاء المهملة{[46836]} . «وَقَالُوا إنْ هَذَا إلاَّ سِحْر مُبينٌ » ( أي سحر{[46837]} بَيِّن ) يعني إذا رأوا آية ومعجزة سخروا منها لاعتقادهم أنها من باب السحر .

فصل

قال ابن الخطيب : والذي عندي في هذا الباب أن يقال : القوم كانوا يَسْتَبْعِدون الحَشْر والقيامة ويقولون من مات وصار تراباً وتفرقت أجزاؤه في العالم كيف يعقل عوده بعينه ؟ وبقوا{[46838]} في هذا الاستبعاد إلى حيث كانوا يسخرون ممن يذهب إلى هذا المذهب وإذا كان كذلك ولا طريق إلى إزالة هذا الاستبعاد إَلاَّ من وجهين :

أحدهما : أن يذكر لهم{[46839]} الدليل على صحة الحشر والنشر مثل أن يقال لهم : هل تعلمون أن القادر على الأصعب الأشق يجب أن يكون قادراً على الأسهل .

فهذا الدليل وإن كان جَلِيًّا قويًّا إلا أن ( ذكر ){[46840]} أولئك المنكرين إذا عرض على قلوبهم هذه المقدمات لا يفهمونها ولا يقفون عليها وإذا ذكروا لم يتذكروها لشدة بلادتهم وجهلهم فلا جَرَمَ لم ينتفعوا بهذا الدليل .

والطريق الثاني : أن يثبت الرسول - صلى الله عليه وسلم - رسالته بالمعجزات ثم يقول : لما ثبت بالمعجزة كوني رسولاً صادقاً من عند الله فأنا أخبركم بأن البعث والقيامة حَقٌّ ثم إنّ أولئك المنكرين لا ينتفعون بهذا الطريق أيضاً لأنهم إذا رأوا معجزة قاهرة{[46832]} وآية باهرة حملوها على أنها سِحْرٌ وسَخِرُوا منها واسْتَهْزَأُوا بها . وهذا هو المراد من قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وقالوا إِن هذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }


[46832]:سقط من ب.
[46833]:من الشاذات غير المتواترات. ذكرها ابن خالويه في المختصر 127 كما ذكرها أبو حيان في البحر 7/355 والسمين في الدر المصون 4/542.
[46834]:زاد المسير 7/51 ومعالم التنزيل 6/20.
[46835]:السابق. وقال ابن قتيبة: يقال سخر واستسخر كما يقال: قر واستقر. ومثله : عجب واستعجب. الغريب 370 والمجاز 2/167.
[46836]:من السحر. ولم يحدد أبو حيان ومن بعده السمين من قرأ بها. البحر 7/355 والدر 4/542.
[46837]:ما بين القوسين سقط من ب.
[46838]:في تفسيره وبلغوا.
[46839]:كذا في (أ) والرازي. وفي ب: لهما. تحريف.
[46840]:زيادة على تفسيره.