اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوَءَابَآؤُنَا ٱلۡأَوَّلُونَ} (17)

قوله : { أَوَ آبَآؤُنَا } قرأ ابنُ عَامر وقالون : بسكون الواو على أنها «أَوْ »{[46849]} العاطفة المقتضية للشك والباقون بفتحها{[46850]} على أنها همزة استفهام دخلت على واو العطف ، وهذا الخلاف جار أيضاً في «الواقعة »{[46851]} وتقدم مثل هذا في الأعراف في قوله : { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى }{[46852]} [ الأعراف : 98 ] فمن فتح الواو أجاز في : «آبَاؤُنَا » وجهين :

أحدهما : أن يكون معطوفاً على محل إن واسمها . {[46853]}

والثاني : أن يكون معطوفاً على الضمير المستتر في : «لَمَبْعُوثُونَ »{[46854]} . واستغني بالفصل بهمزة الاستفهام ، ومن سكنها تعين فيما الأول دون الثاني على قول الجمهور لعدم الفاصل ، وقد أَوْضَحَ هذا الزمخشريُّ حيث قال : «أو آباؤنا » معطوف على محل إنَّ واسمها أو على الضمير في : «لَمَبْعُوثُونَ » والذي جوز العطف عليه الفصل بهمزة الاستفهام{[46855]} . قال أبو حيان : أما قوله معطوف على محل «إنّ » واسمها فمذهب سيبويه خلافه{[46856]} ، فإن قولك : «إنَّ زَيْداً قَائِمٌ وعمرو » وعمرو فيه مرفوع بالابتداء وخبره محذوف ، وأما قوله : أو على الضمير في لمبعوثون ( الخ . . .

. . فلا يجوز أيضاً ؛ لأن همزة الاستفهام لا تدخل إلى على الجمل لا على المفرد ؛ لأنه إذا عطف على المفرد كان الفعل عاملاً في المفرد بواسطة حرف العطف وهمزة الاستفهام لا يعمل ما قبلها فيما بعدها ، فقوله : { أَوَ آَبَاؤُنَا } مبتدأ محذوف الخبر لما ذكرنا{[46857]} . قلت{[46858]} : أما الرد الأول : فلا يلزم لأنه لا يُلْتَزَمُ{[46859]} مذهب سيبويه{[46860]} ، وأما الثاني : فإن الهمزة مؤكدة للأولى فهي داخلة في الحقيقة على الجملة إلا أنه فصل بين الهمزتين بإنّ واسْمِهَا وخبرها . ويدل على هذا ما قاله هو{[46861]} في سورة الواقعة فإنه قال : دخلت همزة الاستفهام على حرف العطف ، فإن قلت : كيف حسن العطف على المضمر في لمبعوثون ){[46862]} من غير تأكيد بنحن ؟ قلت : حسن للفاصل الذي هو الهمزة كما حسن في قوله : { مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا } [ الأنعام : 148 ] لفصل ( لا ){[46863]} المؤكدة بالنفي انتهى{[46864]} . فلم يذكر هنا غير هذا الوجه وتشبيهه بقوله لفصل ( لا ){[46865]} المؤكدة للنفي لأن لا مؤكدة للنفي المتقدم بما إلا أن هذا مشكلٌ بأن الحرف إذا كرر للتأكيد لم يُعَدْ في الأمر العام إلا بإعادة ما اتصل به أولاً أو بضميره . وقد مضى القول فيه{[46866]} . وتحصل في رفع «آباؤنا » ثلاثة أوجه : العطف على محل " إن " واسمها ، والعطف على الضمير المستكن في " لمبعوثون " . والرفع على الابتداء والخبر مضمر{[46867]} ، والعامل في «إذا » محذوف أي : أَنُبْعَثُ إذَا مِتْنَا . هذا إذا جعلتها ظرفاً غير متضمن لمعنى الشرط ، فإن جعلتها شرطية كان جوابها عاملاً فيها{[46868]} أي إذا متنا بُعِثْنَا أوْ حُشِرْنَا{[46869]} .

وقرئ «إذَا » دون استفهام{[46870]} ، وقد مضى القول فيه في الرعد{[46871]} .


[46849]:في ب: الواو.
[46850]:من القراءات المتواترة. وانظر في ذلك السبعة 287 و 286 والإتحاف 368 والنشر 2/357 والكشاف 3/337.
[46851]:عند قوله تعالى: {أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون} الآية 10.
[46852]:الآية 98 منها: {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون} فقرىء بأو وبالواو على العطف والاستفهام أيضا.
[46853]:من قوله: "أئنا لمبعوثون" وانظر الكشاف 3/337 والسمين 4/542.
[46854]:المرجع السابق وانظر: الكشاف 3/337.
[46855]:المرجع السابق.
[46856]:فالزمخشري قد مشى في رحا الكوفيين وقليل من البصريين الذين لم يشترطوا المحرز وهو الطالب للمحل، ولأن "إن" لم تعمل عندهم في الخبر شيئا بل هو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها. وفي الكتاب لسيبويه أنه يجيز رأي الكوفيين هذا ولكنه رأي ضعيف ومفضول. قال: "هذا باب ما يكون محمولا على إن فيشاركه فيه الاسم الذي وليها ويكون محمولا على الأول فأما ما حمل على الابتداء فقولك: إن زيدا ظريف وعمرو، وإن زيدامنطلق وسعيد يرتفعان لوجهين فأما الوجه الحسن فأن يكون محمولا على الابتداء وأما الوجه الآخر الضعيف فأن يكون محمولا على الاسم المضاف في المنطلق". الكتاب 2/144.
[46857]:قاله في البحر 7/355.
[46858]:هذا رد شهاب الدين فيما نقله عنه المؤلف 4/543.
[46859]:في ب: لا يلزم.
[46860]:بدليل أن سيبويه صرح بالرأيين الجائزين وفضل أحدهما على الآخر وهذا ما أميل إليه في تجويز الرأيين.
[46861]:أي جار الله الزمخشري.
[46862]:ما بين القوسين كله سقط من أ الأصل.
[46863]:زيادة من الكشاف من قول الزمخشري.
[46864]:الكشاف 4/55.
[46865]:زيادة لتوضيح السياق وتكميله.
[46866]:في الأنعام عند تلك الآية السابقة.
[46867]:وهذا ما توحي به عبارة سيبويه في الكتاب المرجع السابق. والأولان قال بهما جار الله الزمخشري. ونقلهما شهاب الدين السمين في الدر 4/542.
[46868]:ولذلك يقولون في إعراب "إذا" ظرف خافض لشرطه منصوب بجوابه.
[46869]:تفسير الإمام شهاب الدين السمين 4/543.
[46870]:من القراءات المتواترة السبعية فهي قراءة عبد الله بن عامر انظر: الإتحاف 368. وفي السبعة لابن مجاهد لم يذكرها وانظر: البحر 7/355 والسمين 4/543.
[46871]:يشير إلى قوله تعالى: {أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد} الآية 5. وبين هناك أن كل القراء يقرأون بالاستفهام فيهما: "أئذا- وأئنا"، وأن ابن عامر قرأ وحده بالإخبار.