اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

قوله : { بَلْ عَجِبْتَ } قرأ الأَخَوَانِ بضم التاء والباقون بفتحها{[46818]} ، فالفتحُ ظاهر وهو ضمير الرسول أو كل من يصح منه ذلك . وأما الضم فعلى صرفه للمخاطب أي قُلْ يا محمد بل عَجِبْتُ أنا ، أو على إسناده للباري تعالى على ما يليق به{[46819]} . وقد تقدم هذا في البقرة{[46820]} وما ورد منه في الكتابِ والسنة . وعن شُرَيْحٍ{[46821]} أنه أنكرها وقال : اللَّهُ لا يَعجَبُ فبلغت إبْرَهِيمَ النَّخَعِيِّ فقال : إنَّ شريحاً كان مُعْجَباً برأيه قرأها مَنْ هو أعلم ( منه ){[46822]} ؛ يعني عبد اللَّهِ بن مسعود وابن عباس{[46823]} . والعَجَبُ من الله ليس كالتَّعَجُّب من الآدميين كما قال : { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ الله مِنْهُمْ } [ التوبة : 79 ] وقال : { نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] . فالعجب من الآدميين إنكاره{[46824]} وتعظيمه والعُجْب من الله تعالى قد يكون بمعنى الإنكار والذَّمِّ وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا كما جاء في الحديث : «عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ شَابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ »{[46825]} وقوله : «عَجِبَ رَبُّكُمْ مِن إِلِّكُمْ وقُنُوطِكِمْ وسُرْعَةِ إجَابتِهِ إيَّاكُمْ »{[46826]} . وسُئِلَ جُنَيْدٌ{[46827]} عن هذه الآية فقال : إن الله لا يعجب من شيء ولكن اللَّهَ وافق رسولَه لمَّا عِجِبَ رسولُهُ وقال : { إِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } أي هو كما تقوله{[46828]} .

قوله : { وَيَسْخُرُونَ } يجوز أن يكون استئنافاً{[46829]} وهو الأظهر . وأن يكون حالاً . والمعنى أي عجبت من تكذيبهم إياك وهم يسخرون من تعجبك{[46830]} ، وقال قتادة : عَجِبَ نَبِيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا القرآن حين أنزل وضلال بني آدم وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يظن أن كل من يسمع القرآن يؤمن به فلما سمع المشركون القرآن فسخروا منه ولم يؤمنوا عجب النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فقال الله تعالى : { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ } وَإِذَاَ ذُكِّرُوا لاَ يّذْكُرُونَ «أي إذا وَعِظُوا بالقرآن لا يَتَّعِظُونَ . {[46831]}


[46818]:من القراءات المتواترة. وانظر: النشر 2/356 والإتحاف 368 ومعاني الفراء 2/384 والبحر 7/354 والسبعة 647 وإبراز المعاني 664 و 665 وانظر: إعراب النحاس 3/413. ولقد رجح الفراء قراءة الرفع قال: لأنها مروية عن علي وابن مسعود، وهذا كله قد نقله الإمام شهاب الدين السمين في الدر 4/541 و 542.
[46819]:المرجع السابق.
[46820]:عند قوله تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} [البقرة: 204]. وانظر: اللباب 2/235 ب.
[46821]:هو شريح بن يزيد أبو حيوة الحضرمي الحمصي، صاحب القراءة الشاذة ومقرىء الشام، له اختيار في القراءة. توفغي سنة 203 هـ انظر: غاية النهاية 1/325.
[46822]:سقط من ب.
[46823]:الدر المصون 4/542 والقرطبي 15/69.
[46824]:في ب: إن كان تحريف ولحن.
[46825]:أخرجه البغوي في تفسيره 6/19 وقد أخرجه أبو داود السجستاني في باب الجهاد برقم 36.
[46826]:البغوي والخازن 6/19 والقرطبي 15/70 و "الإل" أشد الفنوط.
[46827]:إمام من الزاهدين المتصوفين. انظره في المرجعين السابقين.
[46828]:السابقان.
[46829]:قاله السمين في الدر 4/542 والقرطبي في الجامع 15/71.
[46830]:جوزه السمين والقرطبي مع الوجه السابق. وانفرد به الكشاف في 3/337.
[46831]:البغوي والخازن 6/20.