قوله : { فاستفتهم } يعني كفار مكة أي سَلْهُمْ «أهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا » يعني السموات والأرض والجبال . وهو استفهام بمعنى التقرير أي هذه الأشياء أشد خلقاً{[46800]} كقوله : { لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس } [ غافر : 57 ] وقوله : { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السمآء بَنَاهَا } [ النازعات : 27 ] . ( وقيل{[46801]} : معنى ) أَمَّنْ خَلَقْنَا ( يعني{[46802]} ) : من الأمم الخالية لأن مَن تذكر لمن يعقل . والمعنى أن هؤلاء ليسوا بأحكَم خلقاً من غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم في ذنوبهم فما الذين يُؤمِّنُ هؤلاء من العذاب{[46803]} .
قوله : { أَمَّنْ خَلَقْنَآ } العامة على تشديد الميم . الأصل أَمْ مَنْ وهي «أَمْ » المتصلة عطفت «من » على «هم »{[46804]} وقرأ الأعمش بتخفيفها{[46805]} وهو استفهام ثانٍ{[46806]} ، فالهمزة للاستفهام أيضاً و «مَنْ » مبتدأ وخبره محذوف أي الذين خلقناهم أشد ، فهما جملتان مستقلتان{[46807]} ، وغلب من يعقل على غيره ولذلك أتى «بمن »{[46808]} قوله : { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } أي جيّد حر لاصق يعْلِقُ باليد . واللازبُ واللازمُ بمعنى{[46809]} . وقد قرئ : لاَزمٌ{[46810]} ، لأنه يلزم اليد ، وقيل : اللازِبُ اللَّزج{[46811]} .
وقال مجاهد والضحاك : مُنْتِن{[46812]} ، وأكثر أهل اللغة على أن الباء في اللازب بدل من الميم{[46813]} .
وجه النظم{[46814]} : أنه قد تقرر أن المقصود الأعظم من القرآن إثبات الأصول الأربعة وهي الإلهيّات والمَعَاد والنُّبُوة وإثبات القَضَاء والقدر فافتتح تعالى هذه السورة بإثبات ما يدل على وُجُود الصانع وعلى علمه وقدرته وحكمته ووحدانيته وهو خالق السموات والأرض وما بينهما وَربّ المشارق ، ثم فرع عليها إثبات الحشر والنشر والقيامة وهو أن من قدر على ما هو أصعب وأشق وجب أن يقدر على ما هو دونه وهو قوله : { فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ } فمن قدر على ما هو أشد وأصعب فبِأن يكونَ قادراً على إعادة الحياة في هذه الأجساد كان أولى . وأيضاً فقوله : «إنا خلقناهم من طين لازب » يعني أن هذه الأجساد قابلة للحياة إذ لو تكن قابلةً للحياة لما صارت حية في المرة الأولى والمراد بقوله : { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } يعني أصلهم وهو آدم - عليه ( الصلاة و ) السلام - رُوِيَ أنَّ القوم قالوا : كيف يعقل تولد الإنسان لا من أبوين ولا من نطفة ؟ فكأنه تعالى قال لهم : إنكم لما أقررتم بحُدوثِ العَالَم واعترفتم بأن السموات والأرض وما بينهما إنما حصل بتخليق الله تعالى وتكوينه فلا بد وأن يعترفوا بأن الإنسان الأول إنما حدث لا من الأبوين فإن اعْتَرَفْتُمْ به فقد سقط قولكم : إن الإنسان كيف يحدث من غير نطفة ومن غير الأبوين ؟ وأيضاً فقد اشتهر عند الجمهور أن آدم مخلوق من طين لازب ومن قدر على خلق الحياة من الطين اللازب كيف يعجز عن إعادة الحياة إلى هذه الذوات ويمكن أن يكون المراد{[46815]} بقوله : «إنا خلقناهم من طين لازب » أي كل الناس ووجهه أن الحيوان إنما يتولد من المَنِي ودَم الطَّمْثِ والمني إنما يتولد من الدَّم فالحيوان إنما يتولد من الدم والدم إنما يتولد من الغِذَاء ، والغذاء إما حيوانيّ وإما نباتيّ ، أما تولد الحيوان الذي صار غذاءً فالكلام في كيفية تولده كالكلام في تولد الإنسان فثبت أن الأصل في الأغذية هو النبات والنبات إنما يتولد من امتزاج الأرض بالماء وهو الطين اللازب فظهر أن كل الخلق ( منه ){[46816]} مُتَوَلِّدُونَ من الطِّينِ اللازب وهو قابل للحياة والله تعالى قادر عليها . وهذه القابلية والقادرية واجبة البقاء فوجب بقاء هذه الصفة في كل الأوقات ، وهذه بيانات ظاهرة . {[46817]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.