اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أُوْلَـٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنۡهَا مَحِيصٗا} (121)

ف { أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } " أولئك " : مبتدأ ، و " مأواهم " : مبتدأ ثانٍ ، و " جهنم " : خبر الثَّانِي ، [ والجُمْلَة خبر الأوَّل ]{[9802]} وإنما قال : " مأواهُم جَهَنَّم " ؛ لأن الغُرُور عِبَارة عن الحَالَةِ التي يُسْتَحْسَنُ ظَاهِرُهَا ، ويَحْصُل النَّدَم عند انْكِشَاف الحَالِ فيها ، والاستِغَراق في طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا ، وفي مَعَاصِي الله - تعالى - ، وإن كان في الحَالِ لَذِيذٌ ، إلا أن عَاقِبَتَهُ جَهَنَّم ، وسُخْطُ الله [ - تعالى - ]{[9803]} ، وهذا معنى الغُرُور .

ثم قال { وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً } ، فقوله " عَنْهَا " : يجُوز أن يَتعلَّق بِمَحْذُوف :

إمَّا على الحَالِ من " مَحِيصاً " لأنَّه في الأصْلِ صِفَةٌ نكرةٍ قُدِّمَتْ عليها ، وإمَّا على التَّبْيين أي : أعني عنها ، ولا يجوزُ تعلُّقُه بمحْذُوفٍ ؛ لأنه لا يتعدَّى ب " عَنْ " ولا ب " مَحِيصاً " ، وإنْ كان المَعْنَى عليه لأنَّ المَصْدَر لا يتقدَّمُ معمولُه عليه ، ومَنْ يَجُوِّزُ ذلك ، يُجَوِّزُ تعلُّق " عن " به ، والمَحِيصُ : اسمُ مَصْدر من حَاصَ يَحِيص : إذا خَلَص ونَجا ، وقيل : هو الزَّوَغَان بنُفُور ، ومنه قولُه : [ الطويل ]

وَلَمْ نَدْرِ إنْ حِصْنا مِنَ المَوْتِ حَيْصَةً *** كَمِ الْعُمْرُ بَاقٍ والمَدَى مُتَطَاوِلُ{[9804]}

ويروي : " جِضْنا " بالجيم والضَّاد المعجمة ، ومنه : " وَقَعُوا في حَيْصَ بَيْصَ " ، وحَاصَ بَاص ، أي : وقعوا في أمْرٍ يَعْسرُ التَّخلُّص منه ، ويقال : مَحِيص ومَحَاص ، قال : [ الكامل ]

أتَحِيصُ مِنْ حُكْمِ الْمَنِيَّةِ جَاهِداً *** مَا لِلرِّجَالِ عِنِ المَنُونِ مَحَاصُ{[9805]}

ويقال : حاصَ يَحُوص حَوْصاً وحِيَاصاً أي : زَايَل المكانَ الذي كان فيه ، والحَوْصُ : ضِيقُ مُؤخر العين ، ومنه : الأحْوَصُ .

قال الواحِدِي{[9806]} : الآية تَحْتَمِل وَجْهَيْن :

أحدهما : أنه لا بُدَّ لهم من وُرُودِ النَّارِ .

والثَّاني : الخُلُود الذي هو نَصِيبُ الكُفَّار .


[9802]:سقط في أ.
[9803]:سقط في ا.
[9804]:البيت لجعفر الحارثي ينظر الحماسة 1/64 والبحر المحيط 3/364 والدر المصون 2/428.
[9805]:ينظر البيت في البحر المحيط 3/364 والدر المصون 2/428.
[9806]:ينظر: تفسير الرازي 11/41.