اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا} (122)

ولما فرغ من الوعيد ، أتبعه بذكر الوَعْد وهو قوله تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ [ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً } ]{[9807]}

يجوز في { وَالَّذِينَ آمَنُواْ } : وجهان :

الرفع على الابتداءِ ، والخبر : " سَنُدْخِلُهم " .

والن‍َّصْبُ على الاشْتِغَال ، أي : سَنُدْخِل الذين آمَنُوا سَنُدخِلهم ، وقرئ{[9808]} : " سيُدْخِلُهم " بياء الغيبة .

واعلم : أنه - تعالى - في أكْثَر آيَاتِ الوَعْد ذَكَرَ { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً } ولو كان الخلودُ يفيد التأبيدَ والدوامَ ، لزم التكْرَار وهو خلافُ الأصْل ، فعلمنا{[9809]} أن الخُلُود عبارة عن طول المُكْثِ لا عن الدَّوَام ، وأما في آيات الوَعِيد ، فإنه يذكُر الخُلُودَ ، ولم يذكُرِ التَّأبِيدَ إلاَّ في حَقِّ الكفارِ ، وذلك يَدلُّ على أن عِقابَ الفساقِ منقطعٌ .

قوله : { وعدَ اللَّهِ حَقًّا } هما مَصْدَران ، الأول مُؤكِّد لنفسه ؛ كأنه قال وَعَد وَعْداً ، وهو قوله : " سندخلهم " و " حقَّاً " : مصدر مؤكِّد لغيره ، وهو قوله : " وَعْد اللَّه " أي : حُقَّ ذلك حَقّاً .

قوله : { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً } وهو توكيد ثَالثٌ ، و " قيلاً " : نَصْبٌ على التَّمْيِيز ، والقِيلُ ، والقَوْل ، والقَالُ ، مَصَادِرٌ بمعنًى واحدٍ ؛ ومنه قوله - تعالى - : { وَقِيلِهِ يَا رَبِّ }

[ الزخرف : 88 ] .

وقال ابن السِّكِّيت : القِيلُ والقَالُ : اسمَان لا مَصْدَران ، وفِائِدَة هذه التَّوْكِيدَات : معارضةُ ما ذَكَرَهُ الشَّيْطَان من المواعيد الكَاذِبَة والأماني الباطِلَةِ ، والتنْبِيهُ على أن وَعْدَ اللَّه أولى بالقُبُول ، وأحقُّ بالتَّصْدِيق من قوْلِ الشَّيْطَان .

وقرأ حَمْزة{[9810]} ، والكَسَائِيُّ : بإشْمَام الصَّادِ ، وكل صاد سَاكِنة بَعْدَها دال في القُرْآن .


[9807]:سقط في ب.
[9808]:ينظر: المحرر الوجيز 2/115، والبحر المحيط 3/370، والدر المصون 2/428.
[9809]:في أ: فلعلمنا.
[9810]:تقدمت في الآية 87.