اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (116)

فصل

قوله - تعالى - : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } الآية قد تقدَّم بيان سَبَبِ نُزُولها ، والفائِدَةُ في تكرارها ؛ أن اللَّه - تعالى - ما أعَاد آيَةً من آيَاتِ الوعيد بِلَفْظِ واحدٍ مرَّتَيْن ، وقد أعَادَ هذه الآيَة بِلَفْظ واحِدٍ ، وهي من آيات الوَعْد ، فدل ذلك على أنَّه - تعالى - خصَّ جَانِبَ الوَعْد والرَّحْمَة بمزيد التَّأكيد .

فإن قيل : لمَ خَتَم تلك الآية بقوله : " فَقَدِ افْتَرَى " وهذه بقوله : " فَقَدْ ضَلَّ " .

فالجوابُ : أنَّ ذلك في غَاية المُنَاسَبة ، فإن الأولى في شأن أهْل الكِتَاب من أنَّهم عِنْدَهم علمٌ بصِحَّة نبوته - عليه الصلاة والسلام - ، وأن شريعته ناسِخَةٌ لجَمِيع الشَّرائعِ ، ومع ذلك فقد كَابَرُوا في ذلك ، فافْترُوا على الله - تعالى - ، وهذه في شأنِ قَوْمٍ مُشْركين غير أهْلِ كِتَابٍ ولا عِلْمٍ ، فناسَب وَصْفُهم بالضَّلال ، وأيضاً : فقد تقدَّم ذكر الهُدَى ، وهو ضدُّ الضلال .