اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذٗا لَّأٓتَيۡنَٰهُم مِّن لَّدُنَّآ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (67)

قوله : " وإذن " : حرف جَوَابٍ وجَزَاء ، وهل هَذَان المعْنَيَانِ لازمَان لها ، أو تكُون جَوَابَاً فَقَطْ ؟ قولان :

الأوّل : قَوْل الشلوبين تَبَعاً لظَاهِر قول سيبَويْه{[8670]} .

والثاني : قول الفَارِسيِّ ؛ فإذا قال القَائِلُ : أزُورُك غَدَا ، فقلت : إذْن أكرِمُكَ ، فهي عِنْدَهُ جَوَابٌ وجَزَاء ، وإذا قُلْتَ : إذن أظُنُّكَ صَادِقاً ، كانت حَرْف جَوَاب فَقَط ، وكأنه أخذ هَذَا من قرينَةِ الحَالِ ، وقد تقدَّم أنها من النَّواصِبِ للمُضَارع بِشُرُوطِ ذُكِرَت .

وقال أبو البقاء{[8671]} : و " إذَنْ " جواب مُلْغَاة ، فظاهر هذه العِبَارَةِ موافِقٌ لقَوْل الفَارسِيِّ [ وفيه نَظَر ؛ لأن الفارسِيّ ]{[8672]} لا يقُول في مِثْل هذه الآية إنَّها جَوابٌ فَقَطْ ، وكَونهَا جَوَاباً يَحْتَاجُ إلى شيء مُقَدَّرٍ .

قال الزَّمَخْشَرِيّ{[8673]} : " وإذن " - جواب لِسُؤالٍ مُقَدَّرٍ ؛ كأنه قيل : وماذَا يكُون لَهُمْ بعد التَّثْبِيتِ أيضاً ؟ فقيل : لو تَثَبَّتُوا لآتَيْنَاهُم ؛ لأن " إذَنْ " جوابٌ وجَزَاءٌ .

و { مِّن لَّدُنَّا } : فيه وَجْهَان :

أظهرهما : أنه مُتعلِّق [ ب { وَآتَيْنَاهُمْ } .

والثاني : أنه مُتَعَلِّق ]{[8674]} بمحْذُوفٍ ؛ لأنه حالٌ من " أجْراً " لأنَّه في الأصْلِ صِفَة نكرة قُدِّمَت عليها . و " أجْراً " مَفْعُول ثانٍ ل " آتَيْنَاهُم " ، و { صِرَاطاً } مَفْعول ثانٍ ل { لَهَدَيْنَاهُمْ } .

فصل

قال الجُبَّائِي{[8675]} : دَلَّت هذه الآيَةُ على أنَّه - تعالى - لمَّا لم يُكَلِّفْهُم ما يَثْقُلُ عَلَيْهم ، فبأن لا يَكَلِّفَهُم ما لا يُطِيقُونَ أوْلَى .

والجواب : إنَّما لم يُكَلَّفُهم بهذه الأشْيَاء الشَّاقَّة ؛ لأنَّه لو كَلَّفَهُم بها لما فَعَلُوهَا ، ولو لم يَفْعلُوهَا ، لوقَعُوا في العَذَاب ، ثم إنَّه - تعالى - عَلِم من أبِي جَهْلٍ وأبِي لَهَبٍ عدم الإيمانِ ، وأنهم لا يسْتَفِيدُون من التَّكْلِيفِ إلاَّ العِقَاب الدَّائِم{[8676]} ، ومع ذلِك فإنَّهُ كَلَّفَهُم الإيمَان فلمَّ{[8677]} كان جَوَاباً عن هَذَا ، فهو جوابٌ عما ذكَرْت .

فصل : دلالة الآية على عظم الآجر

دلَّت هذه الآيةُ على عِظَمِ هذا الأجْرِ من وُجُوه :

أحدُها : أنه ذَكَر نَفْسه بصيغة العَظَمَةِ ، وهو قوله : { لآتَيْنَاهُمْ مِّن لَّدُنَّا } والمُعْطِي الحكيم إذا ذكَر نَفْسَه ( باللَّفْظِ الدَّالِّ على ){[8678]} العظمة{[8679]} ، وهو قوله : { وَآتَيْنَاهُم } عند الوَعْد بالعَطِيَّة - دلَّ على عِظَم تَِلْك العَطِيَّة .

وثانيها : قوله : { مِّن لَّدُنَّا } هذا التَّخصيص يَدُلُّ على المُبَالَغَةِ ، كما في قوله :

{ وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [ الكهف : 65 ] .

وثالثها : أنه وَصَفَ الأجْرَ بكَوْنِهِ عَظِيماً ، والذي وَصَفَهُ أعْظَم العُظَمَاء بالعَظَمَةِ ، لا بد وأن يكُون في نِهَاية العِظَم ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " [ فيها ]{[8680]} ما لاَ عَيْنٌ رَأتْ ، ولا أذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَر على قَلْبِ بَشَر " {[8681]} .


[8670]:ينظر: الكتاب 2/311.
[8671]:ينظر: الإملاء 1/186.
[8672]:سقط في أ.
[8673]:ينظر: الكشاف 1/530.
[8674]:سقط في ب.
[8675]:ينظر: تفسير الرازي 10/134.
[8676]:في ب: العذاب الدايم.
[8677]:في ب: فما.
[8678]:في ب: بالعظمة الدالة على.
[8679]:في أ: العلم.
[8680]:سقط في أ.
[8681]:تقدم.