قوله : " وإذن " : حرف جَوَابٍ وجَزَاء ، وهل هَذَان المعْنَيَانِ لازمَان لها ، أو تكُون جَوَابَاً فَقَطْ ؟ قولان :
الأوّل : قَوْل الشلوبين تَبَعاً لظَاهِر قول سيبَويْه{[8670]} .
والثاني : قول الفَارِسيِّ ؛ فإذا قال القَائِلُ : أزُورُك غَدَا ، فقلت : إذْن أكرِمُكَ ، فهي عِنْدَهُ جَوَابٌ وجَزَاء ، وإذا قُلْتَ : إذن أظُنُّكَ صَادِقاً ، كانت حَرْف جَوَاب فَقَط ، وكأنه أخذ هَذَا من قرينَةِ الحَالِ ، وقد تقدَّم أنها من النَّواصِبِ للمُضَارع بِشُرُوطِ ذُكِرَت .
وقال أبو البقاء{[8671]} : و " إذَنْ " جواب مُلْغَاة ، فظاهر هذه العِبَارَةِ موافِقٌ لقَوْل الفَارسِيِّ [ وفيه نَظَر ؛ لأن الفارسِيّ ]{[8672]} لا يقُول في مِثْل هذه الآية إنَّها جَوابٌ فَقَطْ ، وكَونهَا جَوَاباً يَحْتَاجُ إلى شيء مُقَدَّرٍ .
قال الزَّمَخْشَرِيّ{[8673]} : " وإذن " - جواب لِسُؤالٍ مُقَدَّرٍ ؛ كأنه قيل : وماذَا يكُون لَهُمْ بعد التَّثْبِيتِ أيضاً ؟ فقيل : لو تَثَبَّتُوا لآتَيْنَاهُم ؛ لأن " إذَنْ " جوابٌ وجَزَاءٌ .
و { مِّن لَّدُنَّا } : فيه وَجْهَان :
أظهرهما : أنه مُتعلِّق [ ب { وَآتَيْنَاهُمْ } .
والثاني : أنه مُتَعَلِّق ]{[8674]} بمحْذُوفٍ ؛ لأنه حالٌ من " أجْراً " لأنَّه في الأصْلِ صِفَة نكرة قُدِّمَت عليها . و " أجْراً " مَفْعُول ثانٍ ل " آتَيْنَاهُم " ، و { صِرَاطاً } مَفْعول ثانٍ ل { لَهَدَيْنَاهُمْ } .
قال الجُبَّائِي{[8675]} : دَلَّت هذه الآيَةُ على أنَّه - تعالى - لمَّا لم يُكَلِّفْهُم ما يَثْقُلُ عَلَيْهم ، فبأن لا يَكَلِّفَهُم ما لا يُطِيقُونَ أوْلَى .
والجواب : إنَّما لم يُكَلَّفُهم بهذه الأشْيَاء الشَّاقَّة ؛ لأنَّه لو كَلَّفَهُم بها لما فَعَلُوهَا ، ولو لم يَفْعلُوهَا ، لوقَعُوا في العَذَاب ، ثم إنَّه - تعالى - عَلِم من أبِي جَهْلٍ وأبِي لَهَبٍ عدم الإيمانِ ، وأنهم لا يسْتَفِيدُون من التَّكْلِيفِ إلاَّ العِقَاب الدَّائِم{[8676]} ، ومع ذلِك فإنَّهُ كَلَّفَهُم الإيمَان فلمَّ{[8677]} كان جَوَاباً عن هَذَا ، فهو جوابٌ عما ذكَرْت .
فصل : دلالة الآية على عظم الآجر
دلَّت هذه الآيةُ على عِظَمِ هذا الأجْرِ من وُجُوه :
أحدُها : أنه ذَكَر نَفْسه بصيغة العَظَمَةِ ، وهو قوله : { لآتَيْنَاهُمْ مِّن لَّدُنَّا } والمُعْطِي الحكيم إذا ذكَر نَفْسَه ( باللَّفْظِ الدَّالِّ على ){[8678]} العظمة{[8679]} ، وهو قوله : { وَآتَيْنَاهُم } عند الوَعْد بالعَطِيَّة - دلَّ على عِظَم تَِلْك العَطِيَّة .
وثانيها : قوله : { مِّن لَّدُنَّا } هذا التَّخصيص يَدُلُّ على المُبَالَغَةِ ، كما في قوله :
{ وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [ الكهف : 65 ] .
وثالثها : أنه وَصَفَ الأجْرَ بكَوْنِهِ عَظِيماً ، والذي وَصَفَهُ أعْظَم العُظَمَاء بالعَظَمَةِ ، لا بد وأن يكُون في نِهَاية العِظَم ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " [ فيها ]{[8680]} ما لاَ عَيْنٌ رَأتْ ، ولا أذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَر على قَلْبِ بَشَر " {[8681]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.