قوله : { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } " منكم " خبر مُقَدَّم ل " إنْ " واسمُها ، و " لمَنْ " دخلت اللام على الاسْم تأكِيداً لما فَصَلَ بَيْنَه وبَيْنَهَا بالخَبَر ، و " من " يجوزُ أن تكُونَ مَوْصُولة ، [ أو نكرة مَوْصُوفة ]{[43]} واللاّم في " ليبطئن " {[44]} فيها قَوْلان :
أصحهما : أنها جَوَابُ قَسَم مَحْذُوف ، تقديره أُقْسِمُ بالله لَيُبَطِّئنَّ ، والجُمْلَتَان - أعْنِي : القَسَم وجَوابُه - صِلَة ل " مَنْ " ، أو صِفَةٌ لَهَا على حَسَبِ القَوْلَيْن المُتَقَدِّمَيْن ، والعَائِدُ على كِلاَ التَّقْدِيرَيْن هو الضَّمِير المرفُوع ب " ليبطئن " ، والتَّقْدِير : وإنْ مِنْكُم لِلَّذِي ، أو لَفَرِيقاً واللَّه لَيُبَطِّئَنَّ .
واسْتَدَلَّ بعض النُّحَاة بهذه الآيَةِ على أنَّه يجوز وَصْلُ المَوْصُولِ بجملة القَسَمِ وجوابه [ إذا عَرِيَتْ جُمْلَةُ القَسَم من ضمير عَائِدٍ على الموصول نحو : " جاء الذي أحْلِفُ باللَّهِ لقد قام أبوه " وجعله ] ردَّا على قدماء النحاة ، حيث زَعَمُوا مَنْعَ ذلك [ ولا دلالة على ذلك ]{[45]} ، إذ لقائل أن يقُول : ذلك القَسَم المَحْذُوفُ لا أقَدِّرُهُ إلا مُشْتَمِلاً على ضَمِيرٍ يَعُود على المَوْصُول .
والقول الثاني : نقله ابن عَطِيَّة عن بَعْضِهِم : أنَّها لام التَّأكِيد بَعْدَ تأكيد ، وهذا خطَأٌ من قَائله ، والجُمْهُور على " ليبطئن " بتشديد الطَّاءِ .
ومُجَاهد{[46]} بالتَّخفيف . و [ على ]{[47]} كلتا القِرَاءَتيْن يُحْتَمل أن يكُون الفِعْل لازماً ومُتَعَدِّياً ، يقال : أبْطَأَ وبَطَّأ أي تَكَاسَلَ وتَثَبَّط ، والتَّبْطِئَة : التَّأخُّر عن الأمْرِ ، فهذان لزِمَان ، وإن قُدِّر أنهما مُتَعَدِّيانِ ، فمعُمُولُهُمَا مَحْذُوفٌ ، أي : ليُبَطِّئَنَّ{[48]} غَيْرَه ، أي : يُثَبِّطُه ويُجِبْنُه عن القَتَالِ ، و " إذ لم أكن " ظرف ، نَاصِبُهُ : " أنعم الله " .
قوله : " منكم " اختَلَفُوا فيه :
فقيل : المُرادَ منه : المُنافِقُون وهم عبدُ الله بن أبَيٍّ وأصحابه ، كانوا يُثَبِّطُونَ النَّاس عن الجِهَادِ مع رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم{[49]} .
فإن قيل : تَقْدِير الكَلاَمِ يأيُّهَا الَّذِين آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُم وأن مِنْكُم لمن ليُبَطِّئَنَّ ، فإذا كان هَذا المُبَطِّئ{[50]} مُنَافِقاً ، فكيف يُجْعَلُ قِسْماً من المُؤمِن في قوله " إن منكم " .
فالجواب : أنه جعل المُنافقين من المُؤمنين من حَيْثُ الجِنْسِ والنَّسَبِ والاخْتِلاَطِ ، أو من حيث الظَّاهِر ؛ لتشبههم بالمُؤمنين ، أو من حَيث زعمهم ودَعْواهُم ، كقوله : { يأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ } [ الحجر : 6 ] .
وقيل : المراد ضَعَفَهُ المؤمنين ، وهو اخْتِيَار جَمَاعَةٍ من المُفَسِّرين{[51]} ، قالُوا : والتَّبْطِئَةُ بمعنى الإبْطَاء ، وفَائِدة هذا التِّشْديد تَكَرُّر الفِعْلِ مِنْهُ .
حكى أهْل اللُّغَة أن العَرَبَ تَقُول : ما بَطأ بك يا فُلانُ عَنَّا ، وإدْخَالهم البَاء يَدُلُّ على أنَّه في نَفْسِهِ غير مُتَعَدٍّ{[52]} ، فَعَلَى هذا مَعْنَى الآية : أن فيهم من يُبطئُ عن هذا الفَرْضِ ويتثاقل عن الجِهَادِ ، وإذا ظَفِر المسْلِمُون ، تَمنَّوْا أن يكُونُوا مَعَهُم ليَأخُذُوا الغَنِيمَة .
قال : هؤلاء هُمُ الَّذِين أرادَ اللَّه بقوله : { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ } [ التوبة : 38 ] ، قال : ويَدُلُّ على أنَّ المُرَاد بقوله : " ليبطئن " {[53]} الإبْطَاء منهم لا تَثْبِيطَ غَيْرهم قوله : { يا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ } عند الغنِيمة ، ولو كان المُرادُ : تَثْبِيطَ الغَيْرِ ، لم يَكُن لِهَذا الكَلاَمِ مَعْنًى .
وطعن القَاضِي في هذا القَوْلِ : بأنه - تعالى - حَكَى أن هؤلاَء المُبَطِّئِين ، يقولون عن مصيبة المؤمنين : { قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } فيعدّ قُعُوده على القِتَالِ نِعْمة من اللَّه - تعالى - ، وهذا إنما يَلِيقُ بالمُنَافِقين ، وأيضاً لا يَليق بالمُؤمنين أن يُقال لهم : { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ } ، يعني الرَّسُول " مودة " {[54]} ، ثم قال : وإن حُمِلَ " ليبطئن " على أنه من الإبْطَاءِ والتَّثَاقُل ، صح في المُنَافِقِين ، لأنهم كانوا يَثَاقَلُون .
قوله : { فإن أصابتكم [ مصيبة ] } {[55]} أي : قَتْل وهَزيمَة " قال قد أنعم الله علي " بالقعود ، و { إذ لم أكن معهم شهيداً } ، أي : شَاهِداً حاضراً في تلك الغَزْوَةِ ، فيُصِيبُنَي ما أصابَهُم ، و " إذا لم أكن " طرف نَاصِبُه : " أنعم الله " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.