قوله : { ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ } " ذَلِكَ " مُبْتَدأ ، وفي الخَبَر وَجْهَان :
أحدهما : أنه " الفضل " والجَار والمَجْرُور في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحَالِ ، والعَامِلُ فيها مَعْنَى الإشَارَة .
والثاني : أنه الجَارُّ ، و " الفضل " صِفَة لاسْم الإشَارَة ، ويجوز أن يكُون " الفضل " والجار بَعْدَه خَبَرَيْن [ ل " ذَلِك " ]{[67]} على رَأي من يجيزُه .
فصل : في دفع شُبه المعتزلة القائلين بوجوب الثواب
" ذلك " [ اسم ]{[68]} إشَارَة إلى ما{[69]} تَقَدَّم ذكْرُه من الثَّوَابِ ، وقد حكم عليه بأنَّه فَضْل من اللَّهِ ، وهذا يَدُلُّ على أن الثواب غير وَاجِبٍ على اللَّهِ - تعالى - ، وَيَدُلُّ عليه من جِهَة العَقْلِ{[70]} أيْضاً وُجُوه :
أحدها : أن القٌدْرَة على الطَّاعَةِ إن كَانَت لا تَصْلُح إلا للطَّاعَةِ ، فَخَالِقُ تلك القُدْرَةِ هو الَّذِي أعْطَى الطَّاعَة{[71]} ، فلا يَكُون فعْلُه مُوجباً شَيْئاً ، وإن كانت صالحة للمَعْصِيَة أيْضاً ، لم يترجَّحْ جَانِب الطَّاعة [ للَّه ]{[72]} على جَانِب المَعْصِيَة إلا بِخَلْقِ الدَّاعِي إلى الطَّاعَة ، ويصِيرُ مَجْمُوع القُدْرَةِ والدَّاعِي موجِباً للفِعْل ، فخالق{[73]} هذا المَجْمُوعِ ، هو الَّذِي أعْطَى الطَّاعة ، فلا يَكُون فِعْلُه مُوجِباً عليه شَيْئاً .
وثانيها : أنَّ نِعم اللَّه على العَبْدِ لا تُحْصَى ، وهي مُوجِبةٌ للطَّاعَة{[74]} والشُّكْر ، فإذا وَقَعَتْ في مُقَابَلَة النِّعَم السَّالِفَة ، امتنع كَوْنُها مُوجِبَة للثَّوَابِ في المُسْتَقْبَل .
وثالثها : أن الوُجُوب يَسْتَلْزِم [ اسْتِحْقاق ]{[75]} الذَّمِّ عند التَّرْك{[76]} ، وهذا الاسْتِحْقَاقُ يُنَافِي الإلَهِيَّة ، فيمتنع{[77]} حُصُولُه في حَقِّ الإلَه - [ سبحانه وتعالى ]{[78]} - ؛ فَثَبَت أنَّ ظاهر الآيَة كَمَا دَلَّ على أنَّ الثَّواب فَضْل من اللَّه - تعالى - فالبَرَاهيِنُ العقْلِيّة القَاطِعَة دَالَّةٌ على ذَلِكَ أيْضَاً .
يحتمل أن يكُون معنى الآية : ذَلِكَ الثَّوَاب لِكَمَالِ درجَتِه هو الفَضْلُ من اللَّه ، وأن ما سِوَاهُ ليس{[79]} بِشَيء ، ويُحْتَمَلُ أن يكوُن ذلك الفَضْلُ المَذْكُور والثَّوَاب المَذكُور هو من اللَّهِ لا مِنْ غَيْرِه .
{ وَكَفَى بِاللَّهِ } أي : بثَوابِ الآخِرَة ، وقيل : لمن أطاع الله ورسوله وأحبه وفيه بَيَان أنَّهُم لم ينالوا تلك الدَّرَجَة بطَاعَتِهم ، إنَّما{[80]} نالوها بِفَضْلِ اللَّه - عز وجل- .
روى أبو هُريرة - رضي الله عنه - . قال : قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم : " قَاربُوا وسَدِّدُوا واعْلَمُوا أنَّه لا يَنْجُو أحَدٌ مِنْكُم بِعَمَلِهِ " قالُوا : ولا أنْتَ يا رسُول اللَّه ؟ قال : " ولا أنا إلاَّ أنْ يَتَغَمَّدَني اللَّه بِرَحْمَةٍ منه وفَضْل " {[81]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.