قوله : { فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم } وفيه سُؤالان :
أحدهما : أن القَوْمَ [ لما ]{[9436]} كانوا عَاجِزِين عن الهِجْرَة ، والعَاجِز عن الشَّيْء غير مُكَلَّف له ، وإذا لم يَكُن مُكَلَّفاً ، لم يكن عَلَيْهِ في تَرْكه عُقُوبَة ، فلم قال : { عسى الله أن يعفو عنهم } والعفو لا يتصَوَّر{[9437]} إلاَّ مع الذَّنْبِ ، وأيضاً : " عَسَى " كلمة إطْمَاع ، وهذا يَقْتَضِي عدم القَطْعِ بحُصُول العَفْوِ .
فالجواب{[9438]} عن الأول : أن المُسْتَضْعَف قد يكُون قَادِراً على ذَلِكَ الشَّيْء مع ضرْبٍ من المَشَقَّة ، وتمييز الضَّعْف الذي يَحْصُل عنده الرُّخْصة عند الحَدِّ الذي لا يَحْصُل عنده الرُّخْصَة شاقٌّ ، فربما{[9439]} ظَنَّ الإنْسَان أنَّه عاجز عن المُهَاجَرة ، ولا يكون{[9440]} كَذَلِكَ ، ولا سِيَّمَا في الهِجْرة عن الوَطَنِ ؛ فإنها شَاقَّة على النَّفْس ، وبسبب شِدَّة النَّفْرَة قد يظن الإنْسَان كونه عَاجِزاً ، مع أنَّه لا يكُون كذلك ، فلهذا المَعْنَى كانت الحَاجَة في العَفْو شَدِيدة في هَذَا المقَامِ .
السؤال الثاني : ما فَائِدة ذكْر لَفْظَة " عَسَى " هَهُنا ؟
فالجواب : لأن فيها دَلاَلَة على [ أن ]{[9441]} ترك الهِجْرَة أمر مُضَيّق لا تَوْسِعة فيه ، حتى أن المُضْطَر البَيِّن الاضْطِرَار من حَقِّه أن يقُول : عسى الله أن يَعْفُو عني ، فكيف الحال في غَيْرِه ، ذكره الزَّمَخْشَرِي{[9442]} .
قال ابن الخَطِيب : والأولى{[9443]} أن يكون الجَوَاب ما تَقَدَّم من أن الإنْسَان لشدة نُفْرَته عن مُفَارَقََة الوَطَن ، رُبَّما ظَنَّ نَفْسَه عَاجِزاً عنها مع أنه لا يَكُون كَذَلِك ، فلهذا المَعْنَى ذكر العَفْوَ بكلمة " عَسَى " لا بالكَلِمَة الدَّالَّة على القَطْع .
قال المفَسِّرُون : وكلمة " عَسَى " من اللَّه وَاجِبٌ ؛ لأنه للإطْمَاع ، والله - تعالى - إذا أطْمَعَ عَبْدَه أوْصَلَه إليه .
ثم قال : { وكان الله غفوراً رحيماً } .
ذكر الزَّجَّاج{[9444]} في كان ثلاثة أوجه :
الأول : " كان " قَبْل أن خلق الخَلْق مَوْصُوفَاً بِهَذِه الصِّفَةِ .
الثاني : كان مع جَمِيع العِبَاد بِهذه الصِّفَة ، والمقصود بَيَان أن هذا عَادَة الله أجْرَاها في حَقِّ خلقه .
الثالث : أنه - تعالى - لو قال : " عفو غفور " كان هذا إخْبَاراً عن كَوْنِهِ كذلك فقط ، ولمَّا قال : إنَّه كان كَذَلِكَ ، فهذا إخْبَار وقع بِخَبَرِه على وَقْفِهِ ، فكان ذلك أدلَّ على كونه صِدْقاً [ وحَقّاً ]{[9445]} ومُبَرَّأ عن الكَذِب .
وقال ابن عباس : كُنْتُ أنا وأمِّي ممن عَذَرَ اللَّهُ [ يعني ]{[9446]} : من المستَضْعَفِيِن{[9447]} ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدْعُو لهؤلاءِ المسْتَضْعَفِين .
" روى أبو هُرَيْرَة ؛ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فقال : سَمِع الله لِمَنْ حَمِدَه في الرَّكْعَة الأخيرة{[9448]} [ من صَلاَةِ العِشَاء ]{[9449]} قنت{[9450]} : اللَّهمُ أنْجِ عيَّاش بن أبي رَبِيعَة ، اللَّهُم أنْجِ الوليدَ بن الوليدَ ، اللَّهُمَّ أنْج المسْتَضعَفِين{[9451]} من المؤمنين ، اللهم اشْدُدْ وطْأتَكَ على مُضَر ، اللهم اجْعَلْهَا عليهم سِنين كسِنِي يُوسُف " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.