نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَأُوْلَـٰٓئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعۡفُوَ عَنۡهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوًّا غَفُورٗا} (99)

ولما كانت الهجرة شديدة ، وكان ربما تركها بعض الأقوياء واعتل بالضعف ، وربما ظن القادر مع{[22448]} المشقة أنه ليس بقادر ؛ نفر من ذلك بالإشارة إليهم بأداة البعد فقال{[22449]} : { فأولئك } ولما كان الله سبحانه وتعالى أن{[22450]} يفعل ما يشاء ، لا يجب عليه شيء ولا يقبح منه شيء ، بل له أن يعذب الطائع وينعم العاصي ، ويفعل ويقول{[22451]} ما يشاء

{ لا يسأل عما يفعل }[ الأنبياء : 23 ] أحل هؤلاء المعذورين محل الرجاء إيذاناً بأن ترك الهجرة في غاية الخطر فقال : { عسى الله } أي المرجو والخليق والجدير من الملك المحيط بأوصاف الكمال { أن يعفو عنهم } أي ولو آخذهم{[22452]} لكان له ذلك ، وكل ما جاء في القرآن من نحو هذا فهو للإشارة إلى هذا المعنى ، وقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : إن عسى من الله واجبة ، معناه أنه مع أن له أن يفعل ما يشاء لا يفعل إلا ما يقتضيه الحكمة على ما يستصوبه منهاج العقل السليم { وكان الله } أي الملك الذي له كل شيء فلا اعتراض عليه أزلاً وأبداً { عفواً } أي يمحو الذنب إذا أراد فلا يعاقب عليه وقد يعاتب عليه { غفوراً * } أي يزيل أثره أصلاً ورأساً بحيث لا يعاقب عليه ولا يعاتب ولا يكون بحيث يذكر أصلاً ، ولعل العفو راجع إلى الرجال ، والغفران إلى النساء والولدان .


[22448]:في ظ: على.
[22449]:زيد من مد.
[22450]:زيد من مد.
[22451]:من ظ ومد، وفي الأصل: بقوله.
[22452]:في النسخ: واخذهم ـ كذا.