أصل " ثُمَّ " : المُهلة في الزمان ، وقد تأتي للمُهْلة في الإخبار .
وقال الزَّجَّاج{[15597]} : وهو مَعْطُوف على " أتْلُ " تقديره : أتْلُ ما حرَّم ثم أتْلُ ما آتيْنَا .
وقيل : هو مَعْطُوف على " قَلْ " أي : على إضْمَار قل ، أي : ثم قل : آتينا .
وقيل : تقديره : ثم أخْبِرُكم آتَيْنا .
وقال الزمخشري{[15598]} : عطف على وصَّاكُم به " قال : " فإن قلت : كيف صَحَّ عطفه عليه ب " ثم " ، والإيتَاء قبل التَّوْصِيَة به بَدهْر طَويل ؟
قال شهاب الدين{[15599]} : هذه التَّوصية قديمة لم يَزلْ تتواصها كل أمَّةٍ على لسان نبيِّها ، فكأنه قيل : ذلك وَصَّاكُم به يا بَنِي آدَمَ قَديماً وحَديثاً ، ثم أعْظَم من ذَلِك أنَّا آتَيْنَا موسى الكِتَاب .
وقيل : هو مَعْطُوف على ما تقدَّم قبل شَطْر السورة من قوله : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ } [ الأنعام : 84 ] .
وقال ابن عطية{[15600]} - رحمه الله تعالى - : " مهلتها في تَرْتَيب القَوْلِ الذي أمر به محمَّد صلى الله عليه وسلم كأنَّه قال : ثم مِمَّا وصَّيْنَاه أنا أتَيْنَا مُوسى الكتاب ، ويدعو إلى ذلك أن موسى - عليه السلام - مُتقدِّم بالزمان على محمَّد - عليه الصلاة والسلام- " .
وقال ابن القُشيري : " في الكلام حذف ، تقديره : ثم كنا قد آتينا موسى الكتاب قبل إنزالنا القرآن العظيم على محمد – عليه السلام - .
وقال أبُو حيَّان{[15601]} : " والذي ينبغي أن يُسْتَعْمَل للعَطْفِ كالواو من غير اعتِبَار مُهْلَةٍ ، وبذلك قال [ بَعْض ] النَّحْويِّين " .
قال شهاب الدّين{[15602]} : وهذه استراحة ، وأيضاً لا يلزم من انتفاء المهلة انتفاء الترتيب فكان ينبغي أن يقول من غير اعتبار ترتيب ولا مهلة على أن الفرض في هذه الآية عدم الترتيب في الزمان .
قوله : " تَمَاماً " يجوز فيه خَمْسَة أوْجُه :
أحدها : أنَّه مفعول من أجْلِهِ ، أي : لأجْل تمامِ نِعْمَتِنَا .
الثاني : أنَّه حالٌ من الكِتَاب ، أي : حَالَ كَوْنه تَمَاماً .
الثالث : أنَّه نَصْب على المصدرِ ؛ لأنَّه بمعنى : آتيناهُ إيتاء تمامٍ ، لا نقصان .
الرابع : أنه حالٌ من الفاعل ، أي : مُتِمِّين .
الخامس : أنَّه مصدرٌ مَنْصُوب بفِعْل مُقَدَّر من لفظه ، ويكون مصدراً على حَذْف الزَّوائِد ، والتقدير : أتَممْنَاهُ إتْمَاماً ، و " على الذي " مُتعلِّق ب " تماماً " أو بمحذُوف على أنَّه صِفَة ، هذا إذا لم يُجْعَلْ مصدراً مؤكَّداً ، فإن جُعِلَ ، تعيّن جعلُه صِفَة .
أظهرهما : أنه فِعْلٌ ماض واقعٌ صلةً للموصول ، وفاعله مُضْمَرٌ يعود على مُوسى- عليه الصلاة والسلام - أي : تماماً على الذي أحْسَن ؛ فيكون الذي عبارةٌ عن مُوسَى .
وقال أبو عبيدة : على كُلِّ من أحْسَن ، أي : أتممنا فَضِيلَة مُوسَى - عليه الصلاة والسلام- بالكتاب على المُحْسِنين ، أي : أظهرنا فضله عليهم .
وقيل : على المحسنين من قومه ، أي : على من أحسن من قومه ، وكان فيهم مُحْسنٌ ومُسِيءٌ ، وتدُلُّ عليه قِرَاءة ابن مَسْعُود : وعلى الذي أحْسَن .
وقيل : كُلُّ من أحسن ، أي : الذي أحْسَنَهُ موسى من العِلْم ، والحِكْمَة ، والإحْسَان في الطاعة والعِبَادة ، وتَبْلِيغ الرِّسَالة .
وقيل : " الذي " عِبَارةٌ عمّا عَمِلَهُ مُوسى - عليه الصلاة والسلام - وأتقنه ، أي : تماماً على الذي أحْسَنَهُ موسى - عليه الصلاة والسلام- .
والثاني : أنَّ " أحَسْن " اسمٌ على وَزْن أفْعَل ، ك " أفْضَل " و " أكْرَم " ، واستَغْنَى بِوَصْف الموصُول عن صِلَتِهِ ، وذلك أنَّ المَوْصُول متى وُصِف بِمَعْرِفَة ، نحو : " مَرَرتُ بالذي أخيك " ، أو بِمَا يُقارب المَعْرِفَة ، نحو : " مَررْت بالذي خَيْر مِنْكَ ، وبالذي أحْسَن منك " ، جاز ذلك ، واستغنى به عن صِلته ، وهو مَذْهَبُ الفرَّاء ، وأنشد قوله : [ الزجر ]
حتَّى إذَا كَانَا هُمَا اللَّذِين *** مِثْلَ الجَدِيليْن المُحَمْلَجَيْنِ{[15603]}
بنصب " مِثْلَ " على أنه صِفَةٌ ل " اللَّذِيْن " المنصُوب على خَبَر كان ، ويجُوز أن تكون " الَّذي " مصدريَّة ، و " أحْسَنَ " فعل ماضٍ صِلَتُها ، والتقدير : تماماً على إحْسَانِه ، أي : إحْسان الله -تعالى- إليه ، وإحْسَان مُوسَى إليهم ، وهُو رأي يُونُس والفراء ؛ كقوله : [ البسيط ]
فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ *** تَثْبِيتَ عِيسى ونَصراً كالَّذِي نُصِرُوا{[15604]}
وفتح نُون " أحْسَنَ " قراءة بالعامَّة{[15605]} ، وقرأ يَحْيَى بن يَعْمُر ، وابن أبِي إسْحَاق برفعها ، وفيها وجهان :
أظهرهما : أنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف ، أي : على الذي هو أحْسَن ، فحذف العَائِد ، وإن لم تَطُل الصِّلَةُ ، فهي شَاذَّةٌ من جِهَة ذلك ، وقد تقدَّم بدلائله عِنْد قوله : { مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } [ البقرة : 26 ] ، فيمن رفع " بَعُوضَةٌ " .
الثاني : أن يكُون " الَّذِي " واقِهاً موقع الذين ، وأصلُ " أحْسن " : أحْسَنُوا بواو الضَّمير ، حُذِفَت الواوُ اجتِزَاءً بحركة ما قبلها ، قاله التبريزيُّ ؛ وأنشد في ذلك فقال : [ الوافر ]
فلَوْ أنَّ الأطِبَّا كَانُ حَوْلي *** وكان مَعَ الأطِبَّاءِ الأسَاة{[15606]}
قال الآخرُ في ذلك هذا البيت : [ الوافر ]
إذا مَا شَاءُ ضَرُّوا مَن أرَادُوا *** ولا يَألُوهُمُ أحَدٌ ضِرَارا{[15607]}
شَبُّوا على المَجْدِ وَشَابُوا واكتَهَلُ{[15608]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . يريد اكْتَهَلُوا ، فحذف الواو ، وسكن الحَرْف قبلها ، وقد تقدَّم أبْيَاتٌ أخر كَهَذِهِ في غُضُون هذا الكتاب ، ولكن جَمَاهير النُّحَاة تَخُصُّ هذا بِضَرُورَة الشِّعر .
وقوله : " وتَفْصيلاً " وما عُطِفَ عليه ؛ مَنْصُوب على ما ذُكِرَ في " تَمَاماً " [ والمعنى : بياناً لكلِّ شيءٍ يحتاجُ إليه من شرائع الدِّين . و " هدىً ورحمةً " هذا في صِفَة السُّورة .
" لعلَّهُمْ بِلقَاءِ ربِّهم يُومِنُون " .
قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - : " لكي يُؤمنوا بالبعث ، ويُصَدِّقُوا بالثُّوَاب والعِقَاب " {[15609]} ]{[15610]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.