قوله : { يا موسى إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس } . الاصطفاء : استخلاص الصَّفْوَةِ أي : اخترتك واتَّخذتك صفوة على النَّاس .
قال ابنُ عبَّاسٍ : " فَضَّلتُكَ على النَّاسِ{[16789]} " . قرأ{[16790]} ابن كثير ، وأبو عمرو إنِّيَ بفتح الياء ، وكذلك { أَخِي اشدد } [ طه : 30 ، 31 ] .
وقرأ الحرميَّان{[16791]} : برِسالتِي بالإفراد ، والمُرادُ به المصدر ، أي : بإرْسَالي إيَّاك ، ويجوزُ أن يكون على حذفِ مضاف ، أي : بتبليغ رسالتي . والرِّسالةُ : نَفْسُ الشَّيء المرسل به إلى الغير .
وقرأ الباقون بالجمع اعتباراً بالأنواعِ ، وقد تقدَّم ذلك في المائدةِ والأنعام .
قال القرطبيُّ{[16792]} : ومن جمع على أنه أرسل بضروب من الرسالةِ فاختلف أنواعها ، فجمع المصدر لاختلاف أنواعه ؛ كقوله : { إِنَّ أَنكَرَ الأصوات لَصَوْتُ الحمير } [ لقمان : 19 ] واختلاف المصوتين ، ووحَّدَ في قوله : لصوتُ لما أراد به جنساً واحداً من الأصوات .
قوله : " وَبِكلامي " هي قراءة العامَّةِ ، فيحتملُ أن يُرادَ به المصدرُ ، أي : بتكليمي إيَّاكَ ، كقوله : { وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً } [ النساء : 164 ] وقوله : [ الطويل ]
. . . *** تُكَلِّمنِي فيها شِفَاءٌ لِمَا بِيَا{[16793]}
أي : بتكليمي إيَّاهَا ، ويحتملُ أن يراد به التَّوراة ، وما أوحاه إليه من قولهم للقرآن " كلام الله " تسميةً للشيء بالمصدر . وقدَّم الرِّسالةَ على الكلام ؛ لأنَّها أسبق ، أو ليترقَّى إلى الأشرفِ ، وكرَّر حرف الجرِّ ، تنبيهاً على مغايرة الاصطفاء .
وقرأ الأعمش{[16794]} : " بِرِسَالاتِي وبِكلمِي " جمع " كلمة " وروى عنه المهدويُّ{[16795]} أيضاً " وتكليمي " على وزن التَّفعيل ، وهي تؤيِّدُ أنَّ الكلامَ مصدرٌ .
وقرأ أبو رجاء{[16796]} " بِرِسالتِي " بالإفراد و " بِكَلِمي " بالجمع ، أي : وبسمَاع كلمي .
لما طلب موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - الرؤية ومنعه الله تعالى ، عدد عليه وجوه نعمه العظيمة ، وأمره بشكرها .
كأنَّهُ قال له : إن كنت قد منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النِّعَمِ العظيمة كذا وكذا ، فلا يضيقُ صدرُكَ بسبب منع الرُّؤيةِ ، وانظر إلى أنواع النِّعمِ التي خَصَصْتُك بها واشتغل بشكرها ، والمراد : تسليةُ موسى - عليه الصلاة والسلام - عن منع الرؤية .
فإن قيل : كيف اصطفاهُ على النَّاسِ برسالاته مع أنَّ كثيراً من النَّاسِ قد سَاوَاهُ في الرسالةِ ؟ فالجوابُ : أنَّهُ تعالى بيَّن أنَّهُ خصَّهُ من دون النَّاسِ بمجموع الأمرين : وهو الرسالة مع الكلام بغير واسطة ، وهذا المجموع لم يحصل لغيره ، وإنَّما قال : " عَلَى النَّاسِ " ولم يقل : على الخلق ؛ لأنَّ الملائكة تسمع كلام اللَّهِ من غير واسطة كما سمعه موسى .
قال القرطبيُّ : " وَدَلَّ هذا على أنَّ قومه لم يشاركه أحدٌ منهم في التَّكليم ولا أحد من السَّبعين " .
وقوله : { فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ } أي : اقْنَعْ بما أعطيتك . { وَكُنْ مِّنَ الشاكرين } ، أي : المظهرين لإحسانِي إليك ، وفضلي عليك .
يقال : دَابَّةٌ شكورٌ ، إذا ظهر عليها من السِّمن فوق ما تُعْطَى من العَلَف ، والشَّاكِرُ متعرض للمزيد ؛ كما قال تعالى : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [ إبراهيم : 7 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.