قوله : { وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَائِيلَ } كقوله : { فَرَقْنَا بِكُمُ البحر } [ البقرة : 50 ] من كونِ الباء يجوز أنْ تكون للتَّعدية ، وأن تكون للحاليَّة ، كقوله : [ الوافر ]
. . . *** تَدُوسُ بِنَا الجَمَاجِمَ والتَّرِيبَا{[16762]}
وقد تقدَّم . و " جاوز " بمعنى : جاز ، ف " فاعل " بمعنى " فَعَل " .
وقرأ الحسنُ{[16763]} ، وإبراهيم ، وأبو رجاء ويعقوب جَوَّزْنَا بالتِّشْديدِ وهو أيضاً بمعنى " فَعَلَ " المجردِ ك قَدَرَ وقَدَّر .
قوله : يَعْكُفُونَ صفة ل " قَوْم " . وقرأ الأخوان{[16764]} " يَعْكِفُونَ " بكسر الكاف ، وتروى عن أبي عمرو أيضاً ، والباقون بالضمِّ ، وهما لغتان في المضارع ك " يَعْرشُون " . وقد تقدَّم معنى " العكوف " واشتقاقه في البقرة .
قال قتادة : كان أولئك القومُ من لَخْم ، وكانُوا نُزولاً بالرِّقَّةِ{[16765]} .
وقال ابنُ جريج : كانت تلك الأصْنَام تماثيل بقر ، وذلك أول شأن قصة العِجْلِ{[16766]} .
قال الكلبيُّ : عبر بهم موسى البَحْرَ يومَ عاشوراء بعد مهلك فرعون وقومه ، فصاموه شكراً للَّه عزَّ وجلَّ .
قوله : { قَالُواْ يا موسى اجعل لَّنَا إلها } أي : مثالاُ نعبده . ولم يكن ذلك شكّاً من بني إسرائيل في وحدانية اللَّهِ ، وإنَّمَا معناه : أجعل لنا شيئاً نعظمه ، ونتقرب بتعظيمه إلى اللَّهِ ، وظَنُّوا أنَّ ذلك لا يضر الدِّيانة ، وكان ذلك لشدَّة جهلهم ، لأنَّ العبادة غاية التَّعظيم ، فلا تليق إلا بمن يصدر عنه غاية الإنعام ، وهو خالقُ الجسمِ ، والحياةِ والقدرةِ ، والعقلِ ، والأشياءِ المنتفع بها . وليس ذلك إلاَّ الله تعالى .
واعْلَمْ أنَّ هذا القولَ لم يصدر عن كلّهم ، وإنَّما صدرَ من بعضهم ؛ لأنَّه كان مع موسى السبعون المُختارون ، وفيهم من يرتفعُ عن مثل هذا السُّؤالِ .
قوله كمَا لَهُمْ آلِهَةٌ الكافُ في محلِّ نصب صفة ل " إلهاً " ، أي : إلهاً مماثلاُ لإلههم .
وفي " ما " ثلاثةُ أوجه : أحدها : موصولةٌ حرفية ، أي : تتأوَّلُ بمصدرِ ، وعلى هذا فصلتُهَا محذوفة ، وإذا حُذِفَتْ صلة " ما " المصدريَّة ، فلا بدَّ من إبقاء معمولِ صلتها ، كقولهم : لا أكلِّمكَ ما أنَّ حِرَاءَ مَكَانَهُ ، أي : ما ثَبَتَ أنَّ حِرَاءَ مكانه ، وكذا هنا تقديره : كما ثبت لهم آلهة ، ف " آلهة " فاعل " ثبت " المقدر ، أي : كما أنَّ " أنَّ " المفتوحةَ في المثالِ المتقدم فاعل " ثبت " المقدر .
وقال أبُو البقاءِ{[16767]} - هذا الوجه - ليس بجيد " والجملة بعدها صلةٌ لها ، وحسَّن لك أنَّ الظرف مقدَّرٌ بالفعل " .
قال شهابُ الدِّينِ : كلامُهُ على ظاهِره ليس بجيِّد ؛ لأنَّ " ما " المصدريةَ لا تُوصَلُ بالجملة الاسمية على المشهور ، وعلى رأي مَنْ يُجَوِّز ذلك ، فيشترط فيها غَالِباً أن تُفْهِم الوقت كقوله : [ الكامل ]
وَاصِلْ خِلِيلَكَ ما التَّواصُلُ مُمْكِنٌ *** فلأنْتَ أوْ هُوَ عَنْ قَرِيبٍ ذَاهِبُ{[16768]}
ولكنَّ المراد أنَّ الجارَّ مقدَّرُ بالفعل ، وحينئذٍ تؤولُ إلى جملةٍ فعليّة ، أي : كما استقرَّ لهم آلهةٌ .
الثاني : أن تكون " ما " كافَّةً لكاف التَّشبيه عن العمل ، فإنَّهَا حرفُ جر ، وهذا كما تُكَفُّ رُبَّ فيليها الجملُ الاسميَّة ، والفعليَّة ، ولكن ليس ذلك على سبيل الوجوب ، بل يجوزُ في الكافِ وفي " رُبَّ " مع " ما " الزَّائدة بعدهما وجهان : العَمَلُ والإهمالُ ، وعلى ذلك قول الشَّاعر : [ الطويل ]
وَنَنْصُرُ مَوْلانَا ونَعْلَمُ أنَّهُ *** كَمَا النَّاس مَجْرُومٌ عَليْهِ وجَارِمُ{[16769]}
رُبَّمَا الجَامِلُ المؤبِّلُ فِيهِمْ *** وعَنَاجِيحُ بَيْنَهُنَّ المِهَارُ{[16770]}
وروي برفع " النَّاس ، والجامل " وجرِّهما ، هذا إذا أمكن الإعمالُ ، إمَّا إذَا لم يمكن تَعَيَّنَ أن تكونَ كافَّةً كهذه الآية ، إذا قيل : بأن " ما " زائدة .
الثالثُ : أن تكون " ما " بمعنى " الذي " ، و " لَهُمْ " صلتها ، وفيه حينئذٍ ضميرٌ مرفوعٌ مستتر ، و " آلهة " بدلٌ من ذلك الضَّمير ، والتَّقديرُ : كالذي استقَرَّ هو لهم آلهة .
وقال أبُو البقاءِ{[16771]} - في هذا الوجه - : والعَائِدُ محذوفٌ ، و " آلهة " بدلٌ منه ، تقديره : كالَّذِي هُوَ لهُم وتَسْميتُهُ هذا حَذْفاً تَسَامحٌ ، لأنَّ ضمائرَ الرفع إذا كانت فاعلةٌ لا تُوصف بالحذف ، بل بالاستتار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.