اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ} (15)

قوله : { فإِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } قال بعضُ العُلَمَاءِ : إنَّهُ تعالى أنظره إلى النَّفْخَةِ الأولى ؛ لأنَّهُ تعالى قال في آيةٍ أخرى : { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين إلى يَوْمِ الوقت المعلوم } [ الحجر : 37 ، 38 ] ، المراد منه اليوم الذي يموت فيه الأحْيَاءُ كلهُمْ .

وقال آخرون : لم يُوقِّتِ اللَّهُ تعالى له أجلاً بل قال : { إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } وقوله في الآيةِ الأخْرَى { إلى يَوْمِ الوقت المعلوم } المرادُ منه الوقت المَعْلُومُ في عِلْمِ الله تعالى .

قالوا : والدَّليلُ على صِحَّتِهِ : أنَّ إبليس كان مُكَلَّفاً ، والمُكَلَّفُ لا يجوزُ أن يعلم أنَّ اللَّهَ تعالى أخَّرَ أجَلَهُ إلى الوقت الفُلانِيِّ ، لأنَّ ذلك المُكَلّفَ يعلمُ أنَّهُ متى تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ ، وإذا علم أنَّ وقت موته هو الوَقْتُ الفُلانِيُّ أقدم على المعصية بقلب فارغ ، فإذا قَرُبَ وَقْتُ أجَلِهِ ؛ تاب عن تلك المعاصي ، فَثَبَتَ أن تعريف وقت المَوْتِ بعينه يَجْرِي مَجْرَى الإغْرَاءِ بالقَبِيح ، وذلك غير جَائزٍ على اللَّهِ تعالى{[15828]} .

وأجاب الأوَّلُونَ بأنَّ تَعْرِيفَ اللَّه - تعالى - كَوْنَهُ من المُنْظَرِينَ إلى يَوْمَ القِيَامَةِ لا يقْتَضِي إغْراءً ؛ لأنَّهُ تعالى كَانَ يعلمُ أنَّهُ يمُوتُ على أقْبَح أنْواعِ الكُفْرِ والفِسْقِ ، سواء عَلِمَ وَقْتَ موته ، أوْ لم يعلمْهُ ، فلم يكنْ ذلك الإعلامُ موجِباً إغراءَهُ بالقبيح ، ومثاله أنَّهُ تعالى عرَّف أنبياءَهُ أنَّهُم يموتون على الطَّهَارَة والعِصْمَةِ ، ولم يكن ذلك مُوجِباً إغراءهم بالقبيح ؛ لأجل أنه تعالى عَلِمَ أنَّهُ سواء عرَّفَهُم تلك الحالة ، أم لم يعرِّفْهُمْ تلك الحالة ، فإنَّهُم يَمُوتُونَ على الطَّهارة والعِصْمةِ ، فلمَّا كان حالهم لا يَتَفَاوت بسببِ هذا التَّعْرِيف ، فلا جَرَمَ لم يكن ذلك التعريف إغراء بالقبيحِ فكذلك ههنا{[15829]} .


[15828]:ينظر: تفسير الرازي 14/31.
[15829]:ينظر: تفسير الرازي 14/31.