اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} (16)

قوله : { فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي } في هذه " الباء " وجهان :

أحدهما : أنَّهَا قسميَّةٌ وهو الظَّاهِرُ أي : بقدرتك عليَّ ، ونفاذ سُلْطانِكَ فيَّ لأقْعَدَنَّ لهم على الطَّريق المُسْتَقِيم الذي يسلكونه إلى الجَنَّةِ بأن أزيِّنَ لهم الباطِل ، وما يُكْسِبُهُمْ المآثِمَ .

ويدل على أنها باء القسم قوله تعالى في سورة " ص " : { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ } [ الآية : 82 ] .

والثاني : أنَّها سببيَّةٌ ، وبه بدأ الزَّمَخْشَرِيُّ{[15830]} قال : { فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي } فبسبب إغوائِكَ إيَّايَ ؛ لأقعدن لهم ، ثم قال : " والمعنى فَبِسَبَبِ وُقُوعِي في الغَيِّ لأجْتَهِدَنَّ في إغوائهم حتَّى يَفْسُدُوا بسببي كما فَسَدْتُ بسببهم " .

فإنْ قُلْتَ : بِمَ تعلَّقَتِ " البَاءُ " ؛ فإنَّ تعلقها ب " لأقْعَدُنّ " يصدُّ عنه لام القسم لا تقولُ : واللَّه بزيدٍ لأمرنّ ؟

قُلْتُ : تعلَّقتْ بفعل القَسَمِ المَحْذُوف تقديره ، فبما أغْوَيْتَني أقْسِمُ باللَّهِ لأقعدنّ [ أي ] : فبسبب إغوائك أقسم .

ويجُوزُ أن يكون " البَاءُ " للقسم أي : فأقْسِمُ بإغْوَائِكَ لأقْعُدَنَّ .

قال شهابُ الدِّين{[15831]} . وهذان الوَجْهَانِ سبقه إليهما أبُو بَكْرِ بْنُ الأنْبَارِيِّ ، وذكر عبارةً قريبةً من هذه العِبارَةِ .

وقال أبو حيان{[15832]} : " وما ذكره من أنَّ اللاَّمَ تصدُّ عن تعلُّقِ البَاءِ ب " لأقْعُدَنَّ " ليس حكماً مجتمعاً عليه ، بل في ذلك خِلافٌ " .

قال شهابُ الدِّين{[15833]} : أما الخلافُ فنعم ، لكنَّهُ خلافٌ ضعيفٌ لا يعتد به أبُو القَاسِمُ ، والشَّيْخُ نَفْسُهُ قد قال عند قوله تعالى : { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } [ الأعراف : 18 ] في قراءة من كَسَرَ اللاَّم في " لِمَنْ " : إنَّ ذلك لا يجيزه الجمهورُ ، وسيأتي مبينّاً إن شاء اللَّهُ تعالى .

و " مَا " تَحْتَمِلُ ثلاثةَ أوْجُهٍ :

أظهرها : أنَّهَا مَصْدَريَّةٌ أي : فَبِإغوائِكَ إيَايَ .

والثاني : أنَّها استفهاميَّةٌ يعني أنَّهُ اسْتَفْهَمَ عن السَّبب الذي أغواهُ به فقال : فبأيِّ شيءٍ من الأشْيَاءِ أغْوَيْتَنِي ؟ ثم استأنَفَ جُمْلَةً أقْسَمَ فيها بقوله : " لأقْعُدَنَّ " وهذا ضعيفٌ عند بعضهم ، أو ضرورةً عند آخرينَ من حيثُ أنَّ " مَا " الاستفهاميَّة إذا جُرَّت حُذِفَتْ ألفُهَا ، ولا تثبت إلاَّ في شذوذ كقولهم : عمَّا تَسْألُ ؟ أو ضَرُورَةً كقوله : [ الوافر ]

عَلَى مَا قَامَ يَشْتمُنِي لَئِيمٌ *** كَخِنْزير تَمَرَّغَ فِي رَمَادِ{[15834]}

والثالث : أنَّها شرطيةٌ ، وهو قول ابن الأنْبَارِيِّ ، ونَصُّهُ قال - رحمه الله - : ويجوز أن يكون " مَا " بتأويل الشَّرْطِ ، و " الباء " من صلة الإغواء ، والفاءُ المضْمَرةُ جوابُ الشَّرْطِ ، والتقديرُ : فبأي شيء أغويتني فلأقعدن لهم صراطَكَ ؛ فتُضْمَرُ الفاءُ [ في ] جواب الشَّرْطِ كما تُضْمِرُهَا في قولك : " إلَى مَا أوْمَأتَ أنِّي قَابِلُهُ ، وبما أمرت أني سامعٌ مطيعٌ " . وهذا الذي قاله ضعيف جدّاً ، فإنَّهُ على تقدير صحَّةِ معناهُ يمتنعُ من حيث الصناعةُ ، فإن فاء الجزاء لا تُحذف إلاَّ في ضَرُورَةِ الشِّعْرِ كقوله : [ البسيط ]

مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا *** والشَّرُّ بالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلانِ{[15835]}

أيْ : فالله . وكان المبرد لا يُجَوَّز ذلك ضرورة أيضاً ، وينشد البيت المذكور : [ البسيط ]

مَنْ يَفْعَل الخَيْرَ فالرَّحْمَنُ يَشْكُرُهُ *** . . . {[15836]}

فعلى قول{[15837]} أبي بكر يكونُ قوله : " لأقْعدنَّ " جواب قسم محذوف ، وذلك القسَمُ المقدَّرُ ، وجوابه جوابُ الشَّرْطِ ، فيقدَّرُ دخول الفَاءِ على نفس جُمْلَةِ القَسَمِ مع جوابها تقديرُهُ : فبما أغْوَيْتَنِي فواللَّهِ لأقْعُدَنَّ . هذا يتمم مذهبه .

والإغواء{[15838]} إيقاع الغَيِّ في القَلْبِ أي : بما أوْقَعْتَ في قلبي من الغَيِّ والعِنَادِ والاستكبار وقد تقدَّمَ في البَقَرَة .

قوله : " صِرَاطكَ " في نَصْبِهِ ثلاثة أوْجُهٍ :

أحدها : أنَّهُ منصوبٌ على إسْقَاطِ الخَافِضِ .

قال الزَّجَّاج{[15839]} : ولا اختلاف بين النَّحءويين أنَّ " على " محذوفة كقولك : " ضَرَبَ زيد الظَّهْرَ والبطنَ ، أي : على الظَّهْرِ والبَطْن " .

إلا أن هذا الذي قاله الزَّجَّاجُ - وإن كان ظاهِرُهُ الإجماع - ضعيف من حيث إنَّ حَرْفَ الجرِّ لا يطَّردُ حَذْفَهُ ، بل هو مخصوص بالضَّرُورَةِ أو الشُّذوذِ{[15840]} ؛ كقوله : [ الوافر ]

مُرُّونَ الدِّيَارَ فَلَمْ تَعُوجُوا *** . . . {[15841]}

[ وقوله ] : [ الطويل ]

. . . *** لَوْلاَ الأسَى لقَضَانِي{[15842]}

[ وقوله ] : [ الطويل ]

فَبَتُّ كَأنَّ العَائِدَاتِ فَرَشْنَنِي *** . . . {[15843]}

والثاني : أنَّهُ منصوبٌ على الظَّرفِ ، والتَّقديرُ : لأقْعُدَنَّ لهم في صِرَاطِكَ .

وهذا أيضاً ضعيف ؛ لأنَّ " صِرَاطكَ " ظرف مكان مُخْتَصّ ، والظَّرْفُ المكانيُّ المختصُّ ، لا يصل إليه الفِعْلُ بنفسه ، بل ب " في " تقول : صلَّيْتُ في المسجد ، ونمت في السُّوقِ . ولا تقول : صليتُ المَسْجِدَ إلا فيما استثني في كُتُبِ النحوِ ، وإنْ وَرَدَ غير ذلك ، كان شاذّاً ؛ كقولهم " رَجَعَ أدْرَاجَهُ " و " ذَهَبْتُ " مع " الشَّام " خاصَّة أو ضرورةً ؛ كقوله : [ الطويل ]

جزَى اللَّهُ بالخَيْرَاتِ مَا فَعَلا بِكُمْ *** رفِيقَيْنِ قَالاَ خَيْمَتَيْ أمِّ مَعْبَدِ{[15844]}

أي : قالا في في خَيْمتَي ، وجعلُوا نظير الآيةِ في نَصْبِ المكان المختصِّ قول الآخر : [ الكامل ]

دْنٌ بِهَزِّ الْكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنَهُ *** فيهِ كَمَا عَسَل الطَّريقَ الثَّعْلَبُ{[15845]}

وهطا البيتُ أنْشَدَهُ النُّحَاةُ على أنَّهُ ضَرُورةٌ ، وقد شذَّ ابن الطَّرَاوَةِ عن مذهب النُّحَاةِ فجعل " الصِّراط " و " الطَّريقَ " في هذين الموضعين مكانين مُبْهَمَيْن . وهذا قولٌ مردودٌ ؛ لأن المُخْتَصَّ من الأمكنة ما له أقطار تحويه ، وحدود تحصره ، والصِّراطُ والطَّريقُ من هذا القبيل .

الثالث : أنَّهُ منصوبٌ على المفعول به ؛ لأن الفِعْلَ قبله - وإنْ كان قاصراً - فقد ضُمِّن معنى فِعْلٍ مُتَعَدٍّ . والتقديرُ : لألزمن صراطك المستقيمَ بقُعُودي عليه .

فصل في معنى إغواء إبليس

قول إبليس " فَبِما أغْوَيْتَنِي " يدلُّ على أنَّهُ أضَافَ إغواءه إلى اللَّه - تعالى - ، وقوله في آية أخرى : { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 82 ] يدلُّ على أنَّهُ أضَافَ إغواء العباد إلى نفسه ، فالأول دلَّ على مَذْهَب أهْلِ الجَبْر ، والثَّانِي يدلُّ على مذهب [ أهل ]{[15846]} القدر ، وهذا يدلُّ على أنه كان متحيراً في هذه المسألةِ . وقد يقال : إنَّهُ كان معتقداً بأن الإغواءِ لا يَحْصُلُ إلاَّ بالمغوي فَجَعَلَ نَفْسَهُ مُغْوِياً لغيره من الغاوين ثمَّ زعم أنَّ المُغوي لهُ هو اللَّهُ - تعالى - قطعاً للتَّسلْسُل .

واختلفُوا في تَفْسير هذه الكَلِمَةِ ، فقال أهْلُ السُّنَةِ : الإغواءُ إيقاع الغيِّ في القَلْبِ ، والغيُّ هو الاعتقادُ البَاطِلُ ، وذلك يدلُّ على أنَّهُ كان يعتقدُ أنَّ الحقَّ والباطل أنَّمَا يقعُ في القَلْبِ من اللَّهِ .

وأمَّا المعتزلةُ فلهم ههنا مقاماتٌ{[15847]} .

أحدها : أن يفسِّرُوا الغَيَّ بما ذكرناه ، ويعتذروا عنه بوجوه .

منها : أن قالوا : هذا قول إبْليسَ ، فهب{[15848]} أنَّ إبليس اعتقد أنَّ خَالِقَ الغيِّ ، والجهلِ ، والكفرِ هو الله ، إلاَّ أنَّ قول إبليس ليس بحجَّةٍ .

ومنها قالوا : إنَّه تعالى لمَّا أمره بالسُّجُود لآدَمَ ؛ فعند ذلك ظهر غيه وكفره ، فجاز أن يضيف ذلك إلى الله - تعالى - لهذا المعنى ، وقد يَقُولُ القائِلُ : لا تحملني على ضَرْبِكَ أي : لا تَفعلْ ما أضربك عِنْدَهُ .

ومنها : أن قوله { ربِّ بِمَا أغْوَيْتَنِي } أي : لعنتني ، والمعنى أنَّكَ لمَّا لَعَنْتَنِي بسبب آدَمَ ؛ فأنَا لأجْلِ هذه العَداوَةِ ؛ ألقي الوساوسَ في قُلُوبهم .

المقام الثاني{[15849]} : أنْ يفسِّرُوا الإغْواءَ بالهلاكِ ، ومنه قوله تعالى : { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } [ مريم : 59 ] أي : هلاكاً وويلاً ، ومنهُ أيضاً قولهم : غَوَى الفَصِيلُ يَغْوِي غوىً ؛ إذَا أكثر من اللَّبَنِ حتى يفسدَ جوفه ويُشَارِفَ الهَلاكَ والعَطَبَ . وفسَّروا قوله تعالى : { إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } [ هود : 34 ] إن كان اللَّهُ يريدُ أنْ يهلككهم بعنادكم للحق . فهذا جميع الوجوه المذكورة{[15850]} .

قال ابْنُ الخَطِيبِ{[15851]} : ونحن لا نُبَالغُ في بيان أنَّ المراد من الإواء في هذه الآية الإضلالُ ؛ لأن حَاصِلَهُ يرجع إلى قول إبليس ، وإنَّه ليس بحجة إلاَّ أنَّا نقيمُ البرهانُ اليقينيَّ على أنَّ المُغْوِي لإبليس هو اللَّهُ - تعالى - وذلك ؛ لأنَّ الغاوي لا بدَّ لهُ من مُغْوٍ ، والمُغْوِي له إمَّا أن يكون نَفْسَهُ ، أو مخلوقاً آخَرَ ، أو اللَّهَ - تعالى - والأوَّلُ باطِلٌ ؛ لأن العاقلَ لا يختارُ الغوَايَة مع العِلْمِ بكونها غوَايَةٌ ، والثَّاني أيضاً باطلٌ ، وإلاّ لزم إما التَسَلْسُل وإمَّا الدَّوْرُ ، والثَّالِثُ هو المقصود .

فصل في المراد من الإقعاد

المراد من قوله : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم } أنَّهُ يُواظِبُ على الإفْسَادِ مواظبة لا يَفْتُرُ عنها ، ولهذا المعنى ذكر القُعُود ؛ لأن من أراد المُبَالَغَة في تكميل أمر من الأمُور قعد حتى يصير فارغَ البالِ ، فيمكنه إتمام المقصود . ومواظبته على الإفْسَادِ ، هي مُواظَبَتُهُ على الوَسْوسَةِ بحيثُ لا يَفْترُ عنها{[15852]} .

قال المُفَسِّرُونَ : معنى { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ } أي : بالصَّدِّ عنه وتزيين البَاطِل ؛ حتَّى يهلكوا كما هَلَكَ ، أو يضلوا كما ضَلَّ ، أو يخيبوا كما خَابَ .

فإن قيل : هذه الآيَةُ دَلَّتْ على أنَّ إبليس كان عالماً بالدِّين الحقِّ ؛ لأنه قال { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم } وصراطُهُ المُستقِيمُ هو دينه الحقُّ ، ودَلَّتْ أيضاً على أن إبليس كان عالماً بأنَّ الذي هو عليه من الاعتقاد هو مَحْضٌ الغوايَةِ والضَّلال لأنه لو لم يكن كذلك لما قال : { رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي } [ الحجر : 39 ] ، وإذا كان كذلك فكيف يمكن أنْ يرضى إبليسُ بذلك المَذْهَب مع علمه بكونه ضلالاً وغوايةً ، وبكونه مضاداً للدِّين الحقِّ ، ومنافياً للصِّراط المستقيم ، فإنَّ المرءَ إنَّما يعتقدُ الاعتقادَ الفَاسِدَ إذا غلب على ظَنِّهِ كونه حَقّاً ، فأمَّا من عَلِمَ أنَّهُ باطلٌ وضلالٌ وغوايةٌ يَسْتَحِيلُ أنْ يختاره ، ويرضى به ، ويعتقدهُ .

فالجوابُ : أنَّ من النَّاسِ من قال : إنَّ كفر إبليسَ كفْرُ عَناد لا كُفْرَ جَهْلٍ ، ومنهم من قال : كُفْرُهُ كُفْرُ جَهْلٍ . وقوله : { فَبِما أَغْوَيْتَنِي } ، وقوله : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } يريدُ به في زعم الخَصْمِ ، وفي اعتقاده{[15853]} .

فصل في بيان هل على الله رعاية المصالح{[15854]}

احتجَّ أهلُ السُّنَّةِ بهذه الآية على أنَّهُ لا يجب على اللَّه رعاية مصالح العبدِ في دينه ، ولا في دنياه ؛ لأنَّ إبليس استمهل الزَّمَانَ الطويل فأمْهَلَهُ اللَّهُ ، ثمَّ بيَّن أنَّهُ إنَّمَا يستمهله ؛ لأغواء الخلق ، وإضلالهم .

والله - تعالى - عَالِمٌ بأنَّ أكثر الخلق يطيعونهُ ، ويقبلونَ وسْوَسَتَهُ كما قال تعالى : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين } [ سبأ : 20 ] فثبت أنَّ إنْظَارَ إبليس وإمْهَالَهُ هذه المدة الطويلة ؛ يَقْتَضِي حصور المفاسِدِ العظيمة .

والكفر العظيم ، فلو كان تعالى مراعياً لمصالح العبادِ ؛ لامتنع أنْ يمهله ، وأن يمكنه من هذه المفاسد ، فَحَيْثُ أنْظَرَهُ وأمهله ؛ علمنا أنَّهُ لا يجب عليه شيء من رِعَايَةِ المصالح أصْلاً ، ومما يوِّي ذلك أنَّهُ تعالى بَعَثَ الأنبياءَ دعاة إلى الحقِّ ، وعلِمَ من حال إبليس أنَّهُ لا يَدْعُوا إلاَّ إلى الكُفْرِِ والضلالِ ، ثم إنَّهُ تعالى أماتَ الأنْبِيَاءِ الذينَ يَدْعُونَ الخلق إلى الحق ، وأبقى إبليس وسائر الشياطين الذين يَدْعُونَ إلى الكُفْرِ والبَاطِل ، ومن كان مُرِيداً لمَصَالِح العباد ؛ امتنعَ منه أنْ يفعل ذلك{[15855]} .

قالت المُعتزلةُ{[15856]} : اختلف شُيُوخُنَا في هذه المسألةِ فقال الجُبَّائِيُّ : إنَّهُ لا يختلفُ الحالُ بسببِ وجودِهِ وعدمِهِ ، ولا يضل بقوله أحَدٌ إلا من لو فَرَضْنَا عدم إبليس ، لكان يضل أيضاً ويَدُلُّ على ذلك قوله تعالى : { مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم } [ الصافات : 162 ، 163 ] ، ولأنَّهُ لو ضَلَّ به أحَدٌ لكان بقاؤه مفسدة{[15857]} .

وقال أبُو هَاشِم : يجوز أنْ يضل به قَوْمٌ ، ويكون خلقه جارياً مجرى خلق زيادة الشَّهْوَة ، فإنَّ هذه الزِّيادة من الشهوة لا توجب فِعْلَ القَبيح إلاَّ أنَّ الامْتناعَ منها يصير أشَقَّ ، وأجْلِ تلك الزِّيَادة من المشقَّةِ ، تحصل الزِّيادةُ في الثَّواب ، فكذا ههنا بسبب بقاءِ إبليس يصير الامتناع من القَبَائِح أشد ، وأشق ، ولكنه لا ينتهي إلى حدِّ الإلجاء والإكْراهِ{[15858]} .

والجوابُ : أمَّا قول أبي علي فضعيف ؛ لأنَّ الشَّيْطانَ لا بُدَّ وأن يزيِّن القبائِحَ في قلب الكافر ويحسِّنهَا له ، ويذكره ما في القَبَائِح من أنواع اللَّذَّاتِ ، ومن المعلوم أن حال الإنسان مع حُصُولِ هذا التذكير والتَّزْيين لا يكون مُسَاوِياً لحاله عِنْدَ عدم هذا التذكير والتزيين ، ويدلُّ على ذلك العرف ، فإنَّ الإنسان إذا حصل له جلساءُ يرغبونه في أمر من الأمُور ، ويحسنونه في عينه ويسهِّلُونَ عليه طريقَ الوُصُولِ إليه ، ويواظبون على دعوته إليه ؛ فإنَّهُ لا يكون حاله في الإقدام على ذلك ، كحاله إذا لم يوجد هذا التَّذْكير والتَّحسين والتَّزيين ، والعلم بذلك ضروري{[15859]} .

وأمَّا قولُ أبي هاشم فضروريُّ البُطْلانِ ؛ لأنه إذا صار هذا التَّذكير والتَّزيين حاملاً للمرء على الإقدام على ذلك القبيح كان ذلك سعياً في إلقائِهِ في المفسدة ، وما ذكره من خلق الزِّيادةِ في الشَّهْوَةِ فهو حُجَّةٌ أخرى لنا في أنَّ اللَّه تعالى لا يراعي المصلحة ، فكيف يمكنه أن يحتجَّ به ، والذي يقرره غاية التقرير : أنه لسبب حصول تلك الزِّيادة في الشَّهوة يقع في الكفر وعذاب الأبَدِ ، ولو احترزَ عن تلك الشَّهْوَة فغايتُهُ أن يزداد ثوابُهُ بزيَادَةِ تلك المشقَّةِ ، وحصول هذه الزَّيادَة من الثَّوابِ شيءٌ لا حَاجَةَ إليْهِ ألْبَتَّة ، أمَّا دفعُ العِقَاب المؤبَّدِ ، فإليه أعظم الحاجات ، فلو كان إلهُ العالم مُرَاعياً لمصالح العِبادِ لاسْتَحَال أن يهمل الأهم الأكمل الأعظم لأجل زيادةٍ لا حاجةَ إليها ولا ضَرُورةَ .

فَثَبَتَ فساد هذه المذاهب ، وأنَّهُ لا يَجِبُ على الله شيء أصلاً{[15860]} .

قوله : " ثم لآتينهم " جُمَْةٌ معطوفةٌ على جواب القسم أيضاً وأخبر أنَّهُ بعد أنْ يَقْعُدَ على الصِّراطِ يأتي من هذه الجهات الأربع ، ونوَّع حَرْفَ الجرِّ فَجرَّ الأوَّلَيْن [ " ب " مِنْ " ] والثَّانيين ب " عَنْ " لنكتة ذكرها الزَّمَخْشَرِي{[15861]} . قال - رحمه الله - : " فإن قُلْتَ كَيْفَ قيلَ : مِنْ بين أيْديهمْ ، ومن خلفهم بحرف الابتداء ، وعنْ أيْمَانِهِم ، وعن شَمَائِلِهِمْ بحرف المُجاوَزَةِ ؟

قلت " : المفعول فيه عُدِّي إليه الفِعْلُ نحو تعديته إلى المفعُولِ به ، فكما اختلف حروفُ التَّعْدِيَة في ذلك اختلفت في هذا ، وكانت لغة تُؤخَذُ ولا تُقاسُ ، وإنَّمَا يُفتش عن صِحَّةِ موقعها فقط ، فلما سمعناهم يَقُولُون : جلس عن يمينه ، وعلى يمينه ، وعن شماله ، وعلى شماله قلنا : معنى " عَلَى يَمينِهِ " أنَّهُ تمكَّن من جهة اليمين تمكُّن المُسْتعلِي من المُسْتَعْلَى عليه .

ومعنى " عَنْ يَمينِهِ " أنَّهُ جَلَسَ مُتَجافِياً عن صاحب اليمينِ غير مُلاصِق له مُنْحَرِفاً عنه ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى استعمل في المُتَجَافِي وغيره كما ذكرنا في " تعال " . ونحوه من المفعول به قولهم : " رَمَيْتُ على القَوْسِ ، وعن القَوْسِ ، ومن القَوْسِ " لأنَّ السَّهْمَ يَبْعُدُ عنها ، ويستعليها إذا وضع على كَبدهَا للرَّمْي ، ويَبْتَدِىء الرَّمْيُ منها ، فلذلك قالوا : جلس بين يديه وخلفه بمعنى " في " ؛ لأنَّهُمَا ظَرْفَانِ للفعل ، ومِنْ بين يديه ومن خلفه ؛ لأنَّ الفِعْلَ يقع في بعض الجِهَتَيْنِ كما تقُولُ : جِئْتُ من اللَّيْل تريدُ بعض اللَّيل " .

قال شهابُ الدِّين{[15862]} : " وهذا كلامُ مَنْ رَسَخَتْ قَدَمُهُ في فهم كلامِ العرب " .

وقال أبُو حيَّان{[15863]} : وهو كلامٌ لا بَأسَ به . فلم يوفِّ حقَّهُ .

ثم قال : وأقُولُ : وإنَّما خصَّ بين الأيدي ، والخلف بحرف الابتداءِ الذي هو أمكن في الإتْيَانِ ؛ لأنَّهُمَا أغلب ما يجيءُ العدوُّ منهما فَيَنَال فرصتَهُ ، وقدَّم بين الأيْدِي على الخَلْفِ ؛ لأنَّهَا الجِهَةُ الَّتِي تَدُلُّ على إقدام العَدُوِّ وبسالته في مواجهة قِرْنِهِ غير خَائِفٍ مِنْهُ ، والخلف جهة غدر ومخاتلة ، وجهالة القِرْن بِمَنْ يغتاله ، ويتطلب غِرَّتِهِ وغَفْلَتَهِ ، وخصَّ الأيمان والشَّمائِلَ بالحرف الذي يدلُّ على المجاوزة ؛ لأنهما ليستا بأغلب ما يأتي منهما العَدُوّ ، وإنما يجاوز إتْيَانَهُ إلى الجِهَةِ الَّتِي هي أغْلَبُ في ذلِكَ ، وقُدِّمَتِ الأيمان على الشَّمائِل ؛ لأنها هي الجِهَةُ القويَّةُ في مُلاقَاةِ العَدُوِّ ، وبالأيمان البَطْشُ والدَّفْعُ ، فالقرن الذي يأتي من جهتها أبْسَلُ وأشْجَعُ إذ جاء من الجهة الَّتي هي أقوى في الدَّلإْعِ ، والشَّمَائِل ليست في القُوِّةِ والدَّفْعِ كالأيمان .

[ والأيمانُ ] والشَّمَائِلُ جَمْعا يمينٍ وشمالٍ ، وهما الجَارِحَتَانِ وتجمعان في القلَّة على أفْعُلٍ ، قال : [ الرجز ]

[ 2420 ] - يَأتِي لَهَا مِنْ أيْمُنِ وأشْمُلِ{[15864]} *** . . .

والشَّمَائِلُ يُعبَّرُ بها عن الأخلاق والشِّيم تقول : له شمائل حسنة ، ويُعبَّر عن الحسنات باليمين ، وعن السَّيِّئَات بالشَّمَال ؛ لأنَّهُمَا منشأ الفعلين : الحسن السيّىء .

ويقولون : اجعلني في يمينك لا في شمالك قال : [ الطويل ]

أَبُثْنَى ، أفِي يُمْنَى يَدَيْكِ جَعَلْتنِي *** فأفْرَحَ أمْ صَيَّرتني فِي شِمَالِكِ{[15865]}

يكنون بذلك عن عِظَمِ المنْزِلَةِ عند الشَّخْصِ وخِسَّتِها ، وقال : [ الطويل ]

رَأيْتُ بَنِي العَلاَّتِ{[15866]} لمَّا تَضَافَرُوا *** يَجُوْزُوْنَ سَهْمِي بَيْنَهُمْ فِي الشَّمَائِلِ{[15867]}

والشَّمائل : جمع شمال بفتح الشِّين وهي الرِّيح .

قال ابمرؤ القيس : [ الطويل ]

وَهَبَّتْ لَهُ رِيحٌ بِمُخْتَلِفِ الصُّوَى *** صَباً وشَمالٌ فِي مَنَازِلِ قُفَّالِ{[15868]}

والألف في " الشَّمال " زائدة ، لذا يُزاد فيها الهمزة أيضاً بعد الميم وقبلها فيقولون : شَمْأل وشَأمَل ، يدلُّ على ذلك كلِّه سقوطه في التَّصْرِيفِ قالوا : " أشملت الريح " إذا هبت شمالاً .

فصل في معنى " من بين أيديهم "

قال عليُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ عن ابن عباس : " مْنْ بيْنَ أيدِيهِم أي : من قبل الآخر فأشككهم فيها ، ومن خَلْفِهِم أرغبهم في دنياهم وعن أيمانهم أشبه عليهم أمر دينهم ، وعن شمائلهم أشهي لهم المعاصي {[15869]} " .

وروى عطيَّةُ عن ابن عباس : " مِنْ بَيْنِ أيديِهِمْ من قبل دنياهم يعني أزينها في قلوبهم . ومن خَلْفهمْ : من قبل الآخرة فأقول : لا بَعْثَ ، ولا جَنَّة ولا نَارَ ، وعن أيْمَانِهِمْ : من قبل حسناتهم وعن شمائلهم : من قبل سيِّئاتهم{[15870]} " .

قال ابن الأنْبَاريِّ{[15871]} : " قول من قال الأيمانُ كِنَايَة عن الحسنات والشَّمائِل كناية عن السيئاتِ قول حسنٌ ؛ لأنَّ العرب تقولُ : اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالكَ ، يُريدُ اجعلني من المُقدَّمينَ عِنْدك ، ولا تجعلني من المؤخرين " .

وروى أبو عبيدة عن الأصمعي{[15872]} أنه قال : " أنتَ عِنْدَنَا باليمين أي : بمنزلة حسنةٍ ، وإذا خبثت منزلته قال أنت عندي بالشِّمالِ " .

وقال الحكم والسُّدِّيُّ : " مِنْ بَيْنِ أيْدِيهِمْ " : من قبل الدنيا يزيّنها لهم ، ومن خلفهم : من قبل الآخرة يثبِّطُهُم عنها ، وعن أيمانهم من قبل الحقِّ يَصُدُّهُم عنه ، وعن شمائلهم : من قبل الباطل يزينه لهم .

وقال قتادَةُ : " أتاهم من بين أيْديِهم فأخبرهم أنَّهُ لا بعث ولا جنَّة ، ولا نار ، ومن خلفهم في أمْرِ الدُّنْيَا فزينها لهم ودعاهم إليها ، وعن أيْمَانِهِمْ من قبل حسناتهم بطأهم عنها ، وعن شمائلهم زيَّن لهم السِّيئات والمعاصي ، ودعاهم إليها{[15873]} " .

وقال مُجَاهِدٌ : " مِنْ بَيْنِ أيديهم ، وعن أيمانهم من حث يبصرون ومن خَلْفِهِم ، وعن شمائلهم من حيث لا يُبْصِرُونَ{[15874]} " .

قال ابن جريج : معنى قوله : " حَيْثُ يبصرون أي : يخطئون ، وحيث لا يُبْصِرُون أي : لا يعلمون أنَّهم يخطئون " .

وقيل : من بَيْنِ أيْدِيهِمْ في تكذيب الأنْبِياءِ والرُّسُلِ الذين يكونون حاضرين ، ومن خلفهم في تَكْذِيب من تقدَّمَ من الأنبياء والرُّسُلِ ، وعن أَيمانهم في الكُفْرِ والبِدْعَةِ ، وعن شمائلهم في أنواع المعاصي .

وقال حُكَمَاء الإسْلامِ{[15875]} : إنَّ في البدن قُوىً أربعاً ؛ هي الموجبة لِقُوَّاتِ السَّعَادَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ ، فالقوة الأولى الخياليَّةُ التي يجتمع فيها مثل المحسوسات وصورها ، وهي موضوعة في البطن المقدَّم من الدِّماغِ ، وصورة المحسوسات إنَّمَا تَرِدُ عليها من مقدمها .

وإليه الإشارة بقوله : { مِنْ بَيْنِ أيْدِيِهِمْ ] .

وَالقُوَّةُ الثَّانِيَةُ : الوهمِيَّةُ التي تحكم في غير المحسوسات بالأحكام المناسبة للمحسوسات ، وهي موْضُوعَةٌ في البَطْنِ المؤخر من الدِّماغِ ، وإليه الإشَارَةُ بقوله : " وَمِنْ خَلْفِهِم " .

والقُوَّةُ الثَّالِثَةُ : الشَّهْوَةُ ، وهي موضوعة في الكبدِ ، وهي من يمين البدن ، وإليه الإشارة بقوله : " وعَنْ أيْمَانِهِم " .

والقُوَّة الرَّابِعَةُ : الغَضَبُ ، وهي موضوعةٌ في البطن الأيسر من القلب ، وإليه الإشارة بقوله : " وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ " . فهذه القُوَى الأرْبَعُ التي تَتَولَّدُ عنها أحْوالٌ تُوجِبُ زوال السَّعادات الرُّوحانيَّة ، والشَّياطين الخارجة ما لم تستعن بشيء من هذه القوى الأربع لم تقدر على إلقاء الوَسْوسَةِ ، فهذا هو السَّبَبُ في تعيين هذه الجهات الأربع .

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّ الشَّيطَانَ قَعَدَ لابْنِ آدْمَ بِطَرِيْقِ الإِسْلامِ فقَالَ : اتَّبِعْ دِيْنَ آبَائِكَ فَعَصَاهُ فأسْلَمَ ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيْقِ الهِجْرةِ فقالَ لَهُ : تَدَعُ دِيَارَكَ وتَتَغَرَّبُ ! فَعَصَاهُ وهَاجَرَ ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيق الجِهَادِ فقال له : تُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فيقُسمُ مَالُكَ وتُنْكَحُ امْرَأتكُ فَعَصَاهُ فقاتَلَ " {[15876]} فهذا الخَبَرُ يدلُّ على أنَّ الشَّيطان لا يترك جهة من جهات الوسْوسَةِ إلاَّ ويلقيها في القَلْبِ .

فإن قيل : فلم [ لم ] يذكر من الجهات الأربع { مِنْ فَوْقِهِم ومِنْ تَحْتِهِم ؟ }

فالجوابُ أنَّا ذكرنا أنَّ القُوَى التي يتولَّدُ منها ما يُوجِبُ تفويتَ السَّعادات الرُّوحانية فهي موضوعةٌ في هذه الجوانب الأربعة من البدنِ .

وأمّا في الظَّاهر فيروى أنَّ الشَّيْطانَ لمَّا قال هذا الكلام رقت قلوب الملائكة على البشر فقالوا : يا إلهنا ، كيف يتخلَّصُ الإنسان من الشيطان مع كونه مستولياً عليه من هذه الجهات الأرْبَعِ ؟ فأوحى اللَّهُ تعالى إليهم : " أنه بَقِيَ للإنسان جهتان : الفَوْقُ والتَّحْتُ ، فإذا رفع يديه إلى فوق في الدُّعَاءِ على سبيل الخضوع ، أو وضع جبهته على الأرْضِ على سبيل الخَشُوع غفرت له ذَنْبَ سبعينَ سَنَةً " {[15877]} .


[15830]:ينظر: الكشاف 2/91.
[15831]:ينظر: الدر المصون 3/241.
[15832]:ينظر: البحر المحيط 4/275.
[15833]:ينظر: الدر المصون 3/241.
[15834]:تقدم.
[15835]:تقدم.
[15836]:تقدم.
[15837]:في أ: رأي.
[15838]:ينظر: القرطبي 7/113، والفخر الرازي 14/31.
[15839]:ينظر: معاني القرآن للزجاج 2/358.
[15840]:في أ: شذور.
[15841]:تقدم.
[15842]:تقدم.
[15843]:تقدم.
[15844]:تقدم.
[15845]:البيت لساعدة بن جؤية. ينظر : ديوان الهذليين 1/901، الكتاب 1/16، الخصائص 3/319، أمالي ابن الشجري 1/42، الهمع 1/200، الدرر 1/169، الدر المصون 3/242.
[15846]:سقط في أ.
[15847]:ينظر: تفسير الرازي 14/31.
[15848]:في أ: فثبت.
[15849]:ينظر: تفسير الرازي 14/32.
[15850]:ينظر: تفسير الرازي 14/32.
[15851]:ينظر: تفسير الرازي 14/32.
[15852]:ينظر: تفسير الرازي 14/32.
[15853]:ينظر: تفسير الرازي 14/33.
[15854]:قالت المعتزلة: يجب على الله تعالى فعل الصلاح والأصلح. والصلاح هو ما يقابل الفساد كالإيمان في مقابلة الكفر، والغنى بالنسبة للفقر والأصلح ما قابل الصلاح كأعلى الجنة في مقابلة أدناها. والصلاح والأصلح الواجبان على الله تعالى بالنسبة للدين والدنيا كما قال المعتزلة بغداد ويراد بهما الأوفق في الحكمة والتدبير بالنسبة للشخص لا بالنسبة للكل وقيل بالنسبة إلى علم الله تعالى. أو الصلاح والأصلح في الدين فقط كما رأى معتزلة البصرة وهما الأنفع وهل الأنفع بالنسبة إلى علم الله أو بالنسبة إلى الشخص، خلاف لم نقف فيه على حقيقة ما نقل عن المعتزلة بالضبط لتضارب النقل عنهم. والصيغة المشهورة عن المعتزلة:أنه إذا كان هناك أمران أحدهما صلاح والآخر فساد وجب على الله فعل الصلاح وترك الفساد وإذا كان أمران أحدهما صلاح والآخر أصلح وجب على الله فعل الأصلح وترك الصلاح واستدلوا على ذلك بقولهم: إن فعل الصلاح والأصلح حكمة ومصلحة يستحق فاعله المدح فيجب على الله فعله وتركه بخل وسفه يستحق تاركه الذم فيجب الفعل لأن الله منزه عما يستحق به الذم ويجاب عن ذلك بأن منع ما يكون من حق المانع الذي يثبت بالأدلة كرمه ولطفه وحكمته وعذله ليس بخلا ولا سفها وإنما هو عدل وحكمة. ورد أهل السنة عليهم بقولهم: لا يجب على الله شيء لأنه يتنافى مع اختياره والله قد بين أن ما وقع في الكون بمشيئته واختياره قال تعالى { فعال لما يريد} وضد الواقع داخل تحت مشيئته قال تعالى {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا}. لو وجب عليه شيء فإن لم يستحق بتركه الذم لم يتحقق الوجوب لأن الواجب ما استحق تاركه الذم وإن استوجب تركه الذم كان الباري ناقصا بذاته مستكملا بفعله مع أن كماله لذاته. لو وجب عليه فعل الصلاح والأصلح لما خلق الكافر الفقير المبتلى بالأسقام المخلد في النار ولما آلم الأطفال والعجزة، ولما كان هناك تفضيل بين الناس مع أن الله يقول {ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات}. ولما كان لله منة على عباده ولا استحق منهم شكرا لأنه لم يفعل إلا الواجب عليه، ولما صح سؤال الخير وكشف الضر لأن الله فعل ما فيه الأصلح واستنفد ما في قدرته. وأين الصلاح في خلق إبليس وإبقائه طول الزمن وإقداره على إضلال العباد. ولا يمكن أن نقول إن كفر الكافر صلاح له وإن كل ما وقع في الكون أصلح للعباد لأن من الضروريات أن الإيمان أصلح من الكفر والسعادة أنفع من الشقاوة وإذا فالله لا يجب عليه شيء بل جميع الممكنات جائزة في حقه لما ثبت له من العلم والإرادة والاختيار والقدرة، وأما الآيات والأحاديث التي تدل على الوجوب مثل قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} فمحمولة على أن المراد بها الوعد تفضلا، وهذه المسألة كانت سببا لترك الأشعري مذهب المعتزلة، فقد سأل شيخه الجبائي في ثلاثة إخوة مات أحدهم كبيرا طائعا والثاني كبيرا عاصيا والثالث صغيرا ، فقال الجبائي الأول يثاب بالجنة والثاني يعاقب بالنار والثالث لا يثاب ولا يعاقب قال الأشعري فلو قال الصغير لم لم تبقني فأطيعك فأدخل الجنة ماذا يقول له الرب، فقال الجبائي يقول علمت أنك لو كبرت عصيت فكان الأصلح لك أن تموت صغيرا. قال الأشعري: فإن قال الثاني يا رب لم لم تمتني صغيرا حتى لا أدخل النار، ماذا يقول الرب فبهت الجبائي وقامت عليه الحجة. قال صاحب الجوهرة: وقولهم إن الصلاح واجب عليه *** زور ما عليه واجب ألم يروا إيلامه الأطفالا *** وشبهها فحاذر المحالا
[15855]:ينظر: تفسير الرازي 14/33.
[15856]:ينظر: المصدر السابق.
[15857]:ينظر: تفسير الرازي 14/33.
[15858]:ينظر: تفسير الرازي 14/33.
[15859]:ينظر: تفسير الرازي 14/33.
[15860]:ينظر: تفسير الرازي 14/34.
[15861]:ينظر: الكشاف 2/93.
[15862]:ينظر: الدر المصون 3/243.
[15863]:ينظر: البحر المحيط 4/278.
[15864]:البيت لأبي النجم ينظر: الكتاب 1/221، والخصائص 2/130، ابن يعيش 5/41، الخزانة 4/401، الإنصاف 1/416. الدر المصون 3/234.
[15865]:البيت لابن الدمينة ينظر دلائل الإعجاز 73، الألوسي 8/95، الدر المصون 3/243.
[15866]:في أ: العلاقات.
[15867]:البيت لأبي خراش خويلد بن مرة ينظر: شرح أشعار الهذليين 3/1197، التهذيب 11/374، اللسان (شمل)، الدر المصون 3/244.
[15868]:البيت ينظر: ديوانه 30، اللسان (صوى) الدر المصون 3/244.
[15869]:أخرجه الطبري في تفسيره 5/445 وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/136) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
[15870]:أخرجه الطبري في تفسيره (5/445) عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/136) عن مجاهد وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[15871]:ينظر: تفسير الرازي 14/34.
[15872]:ينظر: تفسير الرازي 14/34.
[15873]:أخرجه الطبري في تفسيره 5/446 عن قتادة.
[15874]:أخرجه الطبري في تفسيره 5/446-447 عن مجاهد.
[15875]:ينظر: تفسير الرازي 14/34.
[15876]:أخرجه أحمد (3/483) والنسائي (6/21-22) وابن أبي شيبة (5/293) وابن حبان (1601-موارد) من طريق سالم بن أبي الجعد عن سبرة بن أبي الفاكه مرفوعا.
[15877]:ينظر: الرازي 14/35.