اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَٰلِدِينَ} (20)

قوله : " فوَسْوَسَ لَهُمَا " أي : فَعَلَ الوَسْوَسَةَ لأجلهما .

والفَرْقُ بين وسْوَسَ له وَوسْوَسَ إليه أنَّ وَسْوَسَ له بمعنى لأجله كما تقدَّم ، وَوَسْوَسَ إليه ألْقَى إلَيْه الوَسْوَسَةَ .

والوَسْوَسَةُ : الكلام الخفيُّ المكرر ، ومثله الوسْواسُ وهو صوتُ الحليِّ ، والوسوسَةُ أيضاً الخَطْرَةُ الرَّديئَةُ ، وَوَسْوَسَ لا يتعدَّى إلى مَفْعُولٍ ، بل هو لاَزِمٌ كقولنا : وَلْوَلَتِ المَرأةُ ، ووعْوَعَ الذِّئْبُ ويقالُ : رجلٌ مُوَسْوِسٌ بِكَسْرِ الوَاوِ ، ولا يُقَالُ بفتحها ، قالهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ .

وقال غيره : يقال : مُوَسْوَس له ، ومُوَسْوَس إليه .

وقال اللَّيْثُ : " الوَسْوَسَةُ حديثُ النَّفْس ، والصَّوْتُ الخَفِيُّ من ريحٍ تَهُزُّ قصباً ونحوه كالهمْسِ " . قال تعالى { وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } [ ق : 16 ] .

وقال رُؤبَةُ بْنُ العَجَّاج يَصِفُ صَيَّاداً : [ الرجز ]

وَسْوَسَ يَدْعُوا مُخْلِصاً رَبِّ الفَلَقْ *** لَمَّا دَنَا الصَّيْدُ دَنَا مِنَ الوَهَقْ{[15894]}

أي : لما أراد الصَّيدَ وسوس في نَفْسِهِ : أيُخْطىء أم يُصِيبُ ؟ وقال الأزْهَرِيُّ{[15895]} : " وسْوَسَ ووَزْوَزَ بمعنىً واحد " .

فإن قيل : كيف وَسْوَسَ إليه ، وآدم كان في الجَنَّةِ وإبليس أخرج منها{[15896]} " ؟

فالجوابُ : قال الحسن : كان يُوَسْوِسُ من الأرْض إلى السَّمَاءِ وإلى الجِنَّةِ بالقُوَّةِ الفَوْقيَّةِ التي جعلها له .

وقال أبُوا مُسْلِمٍ الأصْفهانِيُّ{[15897]} : بَلْ كان آدمُ وإبليس في الجنَّةِ ؛ لأنَّ هذه الجنَّةَ كانت بعض جنات الأرض ، والذي يقوله بعض النَّاس من " أنَّ إبليس دخل الجنَّة في جَوْف الحيَّةِ ودخلت الحيَّة في الجنَّةِ " فتلك القصة ركيكةٌ ومشهورةٌ .

وقال آخَرُون : إنَّ آدم وحَوَّاءَ ربما قَرُبَا من باب الجَنَّةِ ، وكان إبليس واقفاً من خارج الجَنَّةِ على بَابها فيقْرُبُ أحَدُهُمَا من الآخر فتحصل الوسْوسَةُ هناك{[15898]} .

فإن قيل : إنَّ آدم - عليه السلام - كان يَعْرِفُ ما بينه وبين إبليسَ من العداوة ، فَكَيْفَ قبل قوله ؟

فالجواب : [ لا يَبْعُد أنْ يُقال إنَّ إبليسَ لَقِيَ آدَمَ مِراراً كثيرةً ، ورَغَّبَهُ في أكْلِ الشَّجَرَة بِطُرُقٍ كثيرةٍ ؛ فلأجْل ]{[15899]} المواظبة والمداومة على هذا التمويه أثَّر كلامه عند وأيضاً فقال تعالى : { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين } [ الأعراف : 21 ] أي : حَلَفَ لهما فاعْتَقَدُوا أنَّ أحَداً لا يَحْلِفُ كاذباً فلذلك قبل قوله .

قوله : " لِيُبْدِيَ لَهُمَا " في طلام " لِيُبْدِي " قولان :

أظهرهما : أنها لامُ العِلَّةِ على أصلها ؛ لأنَّ قَصْدَ الشَّيْطانِ ذلك .

وقال بعضهم : " اللاَّمُ " للِصَيْرُورةِ والعاقِبَةِ ، وذلك أنَّ الشِّيْطَانَ لم يكن يعلم أنَّهُمَا يعاقبان بهذه العُقُوبَةَ الخَاصَّةِ ، فالمعنى : أن أمْرَهُمَا آل{[15900]} إلى ذلك . الجوابُ : أنهُ يجوزُ أنْ يُعْلم ذلك بطريق من الطُّرُق المتقدِّمةِ في قوله { وَلاَ نَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [ الأعراف : 17 ] .

ومعنى قوله : " لِيُبْدِيَ لَهَمَا " ليظهر لهما ما غُطِّي وسُتِرَ عنهما من عوراتهما .

قوله : " مَا وُوْري " " مَا " موصولة بمعنى الذي ، وهي مفعول ل " لِيُبْدِي " أي : لِيُظْهِر الذي سُتِرَ .

وقرأ الجمهور : " وُوْري " بواوين صريحَتَيْنِ وهو ماضٍ مبني للمفعول ، أصله " وَارَى " كضارَبَ فلمَّا بُني للمفعول أبْدِلَت الألف واواً كضُورِبَ ، فالواو الأولى فاء ، والثَّانية زَائِدَةٌ .

وقرأ{[15901]} عبد الله : " أُوْرِيَ " بإبدال الأولى همزة ، وهو بدلٌ جَائِزٌ لا واجب .

وهذه قَاعِدٌةٌ كليَّةٌ وهي : أنَّه إذا اجتمع في أوَّلِ الكلمةِ واوان ، وتحرَّكتِ الثَّانيةُ ، أو كان لها نَظِيرٌ مُتَحَرِّكٌ وجب إبدال الأولى همزة تخفيفاً ، فمثال النَّوْعِ الأوَّلِ " أوَيْصِلٌ " ، وَ " أوَاصِلُ " تصغير واصلٍ وتكسيره ، فإنَّ الأصل : وُوَيْصِل ، وواصل ؛ فاجتمع واوان في المثالين ثانيتهما متحركة فوجب إبدالُ الأولى همزة . ومثالُ النَّوْعِ الثَّانِي أوْلى فإنَّ أصلها وُوْلَى ، فالثَّانَيِةُ ساكنة ؛ لكنها قد تتحرَّكُ في الجَمْعِ في قولك : أُوَل ؛ كفُضْلَى وفُضَل ، فإن لم تتحرَّك ولم تحمل على متحرّك ، جَازَ الإبدَالُ كهذه الآيَةِ الكريمةِ . ومثله وُوْطِىءَ وأوْطِىءَ .

وقرأ يحيى بن{[15902]} وثاب " وَرِيَ " بواو واحدة مضمومة وراء مكسورة ، وكَأنَّهُ من الثُّلاثيِّ المتعدِّي ، وتحتاج إلى نَقْلِ أنَّ وَرَيْتُ كذا بمعنى وارَيْتُه .

والمُوَارَاةُ : السَّتْرُ ، ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام - لمَّا بلغه موت أبي طالب لعليٍّ : " اذْهَبْ فوارِه " . ومنه قول الآخر : [ مخلع السبيط ]

عَلَى صَدىً أسْوَدَ المُوَارِي *** فِي التُّرْبِ أمْسَى وفِي الصَّفِيحِ{[15903]}

وقد تقدَّم تحقيق هذه المادَّةِ{[15904]}

والجمهور على قراءة " سَوْءَاتِهما " بالجمع من غير نقل ، ولا إدغام .

وقرأ مُجاهدٌ والحسن{[15905]} " سَوَّتهما " بالإفراد وإبدال الهمز [ واواً ] وإدغام الواو فيها .

وقرأ الحسنُ أيضاً ، وأبو{[15906]} جعفر ، وشَيْبَةُ بن نصاح " سَوَّاتهما " بالجمع وتشديد الواو بالعمل المتقدم .

وقرأ{[15907]} أيضاً " سَواتِهما " بالجمع أيضاً ، إلا أنَّهُ نقل حركة الهمزة إلى الواو من غير عملٍ آخَرَ ، وكلُّ ذلك ظَاهِرٌ . فمن قرأ بالجمع فيحتمل وجهين :

أظهرهما : أنَّهُ من باب وَضْعِ الجمع موضع التَّثْنِيَةِ كراهية اجتماع تثنيتين ، والجمع أخُوا التَّثْنِيَةِ فلذلك ناب منابها كقوله : { صَغَتْ قُلُوبُكُما } [ التحريم : 4 ] وقد تقدَّم تَحْقِيقُ هذه القاعدة .

ويحتمل أنْ يكون الجَمْعُ هنا على حقيقته ؛ لأنَّ لكل واحد منهما قُبُلاً ، ودُبُراً ، والسوءات كنايةٌ عن ذلك فهي أربع ؛ فلذلك جِيءَ بالجَمْعِِ ، ويؤيِّدُ الأوَّل قراءةُ الإفراد فإنَّه لا تكون [ كذلك ] إلاَّ والموضع موضع تثنية نحو : " مَسَحَ أَذُنَيْهِ ظَاهِرهُمَا وبَاطِنَهُمَا " .

فصل في أن كشف العورة من المحرمات

دلَّت هذه الآيةُ على أنَّ كَشْفَ العوْرَةِ من المُنْكَرَاتِ ، وأنَّهُ لم يزل مُسْتَهْجَناً في الطِّبَاع مُسْتَقْبَحاً في العُقُولِ .

قوله : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } .

هذا استثناء مُفَرَّغٌ وهو مفعول من أجله فقدَّرَهُ البَصْرِيُّونَ إلاَّ كراهة أنْ تكونا ، وقدَّرَهُ الكوفِيُّون إلاّ أن لا تكونا ، وقد تقدَّم مراراً أنَّ قول البَصْرِيِّين أوْلى ؛ لأنَّ إضْمَارَ الاسْمِ أحسنُ من إضمار الحَرْفِ .

وقرأ الجمهور " مَلَكَيْنِ " بفتح اللاَّم . وقرأ{[15908]} عَلِيٌّ ، وابن عباس والحسنُ ، والضَّحَّاكُ ، ويحيى بْنُ أبِي كَثِير والزُّهْرِيُّ وابن حكيم عن ابن كثير " مَلِكين " بكسرها قالوا : ويُؤيِّدُ هذه القراءة قوله في موضع آخر : { هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى } [ طه : 120 ] والمُلك يناسِبُ المَلِك بالكسر . وأتى بقوله " مِنَ الخَالِدِينَ " ولم يقل " أو تَكُونَا خَالِدَيْن " مبالغةٌ في ذلك ؛ لأنَّ الوصف بالخُلُودِ أهمُّ من المَلْكية أو المُلْك{[15909]} ، فإنَّ قولك : " فُلانٌ من الصَّالحينَ " بلغُ من قولك صالحٌ ، وعليه { وَكَانَتْ مِنَ القانتين } [ التحريم : 12 ]

فصل في بيان قوله ما نهاكما ربكما

هذا الكلام يمكن أنْ يَكُونَ ذكرَهُ إبْلِيسُ مُخَاطِباً لآدم وحواء ، ويمكن أنْ يكُون بوسْوسَةٍ أوْقَعَها في قلبيهما ، والأمران مَرْويَّانِ إلاَّ أنَّ الأغْلَبَ أنَّهُ كان على سبيل المُخَاطَبَةِ بدليل قوله تعالى : { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين } .

والمعنى : أنَّ إبليس قال لهما هذا الكلام ، وأراد به إنْ أكلتما تكونا بمنزلة الملائِكَةِ ، أو تكُونَا من الخالدينَ إنْ أكلتما ، فرغبهما بأن أوْهَمَهُمَا أنَّ من أكَلَهَا صار كذلك ، وأنَّهُ تعالى نَهَاكمَا عنها لكي لا يكونا بِمَنْزِلَةِ الملائِكَةِ ، ولا يخْلُدَا .

وفي الآية سُؤالاتٌ :

السُّؤالُ الأولُ : كيف أطْمَعَ إبْلِيسُ آدمَ أن يكون ملكاً عند الأكْلِ من الشَّجَرَةِ مع أنَّهُ شَاهَدَ الملائِكة متواضعين سَاجِدينَ له معترفين بفضله{[15910]} ؟ .

والجوابُ من وجوه :

أحدها : أنّ هذا المعنى أحد ما يَدُلُّ على أن الملائكة الذين سجدوا لآدم هم ملائكة الأرض ، أمّا ملائكةُ السَّموات وسكانُ العَرْشِ والكرسيِّ ، والملائكةُ المقرَّبون فما سجدوا لآدم ألْبَتَّةَ . ولو كَانُوا قد سَجَدُوا له لكان هذا التَّطْميع فَاسِداً مختلاًّ .

وثانيها : نَقَلَ الواحديُّ{[15911]} عن بعضهم أنَّهُ قال : إنَّ آدمَ علم أنَّ الملائكة لا يمُوتُونَ إلى يوم القيامةِ ، ولم يعلم ذلك لنفسه فعرض عليه إبليس أنْ يَصِيرَ مِثْلَ الملكِ في البَقَاءِ . وضعَّف هذا بأنَّهُ لو كان المَطْلُوبُ من الملائِكَةِ هو الخُلُودُ فحينئذٍ لا يبقى فرق بين قوله { إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } وبين قوله : { إلاَّ أَنْ تَكُونَا مِنَ الخالدين } .

وثالثها : قال الواحدي{[15912]} : كان ابن عباس يقرأ{[15913]} " مَلِكَين " بكسر اللام ويقول : ما طمعا في أن يكونا مَلَكَيْن لكنهما استشرفا إلى أن يكونا مَلِكَيْن ، وإنَّما أتَاهُمَا المَلْعُونُ من وجهة الملك ، ويدلُّ على هذا قوله : { هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى } [ طه : 120 ] ، وضعف هذا الجواب من وجهين{[15914]} :

الأول : هب أنَّهُ حصل الجوابُ على هذه القراءة فهل يقول ابنُ عبَّاسٍ أنَّ تلك القراءة المشهورة باطلة ؟ أو لا يقولُ ذلك ؟ والأولُ باطل ، لأنَّ تلك القراءة قراءة متواترة فكيف يُمْكِنُ الطَّعْنُ فيها ؟ وأمَّا الثَّاني فعلى هذا التَّقدير الإشكال باقٍ ؛ لأنَّ على تلك القراءة يكون بالتَّطْميع قد وقع في أنْ يَصِيرَ بواسطة ذلك الأكل من جملة الملائكة . وحينئذ يَعُودُ السُّؤالُ .

الوجه الثاني : أنَّهُ تعالى جعله مسجود الملائكةِ ، وأذِن له في أن يسكن الجنَّة ، وأنْ يأكل منها رغداً حيث شاء وأراد ، [ ولا مزيد ] في الملك على هذه الدَّرَجَةِ{[15915]} .

السؤال الثاني : هل تدلُّ هذه الآية على أنَّ درجة الملائكة أكمل وأفضل من درجة النُبُوَّةِ ؟

الجوابُ : أنَّا إذا قلنا : إن هذه الواقعة كانت قَبْلَ النُّبُوَّةِ لم يدلَّ على ذلك ؛ لأنَّ آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - حين طَلَبَ الوصُولَ إلى درجةِ الملائِكَةِ ما كان من الأنبياء ، وإنْ كانت هذه الواقِعَةُ قد وقعت في زَمَن النُّبُوَّةِ فلعلَّ آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - رغبَ في أنْ يصيرَ من الملائِكَةِ في القدرة والقُوَّة أو في خلقة الذات بأنْ يَصِيرَ جَوَْهَراً نُورَانياً ، وفي أن يصيرَ من سُكَّانِ العرْشِ ، وعلى هذا فلا دلالةَ في الآيةِ على ذلك{[15916]} .

السُّؤال الثالثُ : نقل أنّ عمرو بْن عُبَيْدٍ قال للحسنِ في قوله : " إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين } ، وفي قوله " وقَاسَمَهُمَا " قال عمرو : قلت للحسن ؛ فهل صَدقَاهُ في ذلك ؟ فقال الحسن : مَعَاذَ الل ، لو صَدَّقَاهُ لكانا من الكَافرينَ . ووجه السُّؤال : أنه كيف يلزم هذا التَّكْفيير بتقدير أن يُصَدِّقا إبليس في ذلك القول ؟

والجوابُ : ذكرُوا في تَقْدير ذلك التَّكفِير أنَّهُ عليه الصَّلاة والسَّلام لو صدق إبليس في الخلُودِ ، لكان ذلك يوجب إنكار البعث والقيامة وأنه كفرٌ .

ولقائل أن يقُول : لا نُسَلِّمُ أنَّه يلزم من ذلك التَّصديق حصولُ الكفْرِ ، وبيانه من وجهين .

الأول : أن لفظ الخُلُودِ مَحْمُولٌ على طُولِ المُكْثِ لا على الدَّوامِ ، فانْدَفَعَ ما ذكره .

والثاني : هَبْ أنَّ الخُلُودَ مُفَسّر بالدَّوَامِ إلاَّ أنَّا لا نسلم أنَّ اعْتِقَادَ الدَّوام يُوجِبُ الكُفْرَ ، وتقْرِيرُهُ : أنَّ العِلْمَ بأنه تعالى هل يُمِيتُ هذا المكلف ، أو لا يُمِيتُهُ ؟ علم لا يحصل إلا من دليل السَّمْعِ ، فلعله تعالى ما بيَّنَ في وقت آدم - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - أنَّهُ يُمِيتُ الخلق ، ولمَّا لم يُوجَدِ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ بأن آدم - عليه الصلاة والسلام - لا يجوز له دوام البقاء فلهذا السَّببِ رغِبَ فيه ، وعلى هذا التَّقْديرِ فالسُّؤالُ غير لازم .

السُّؤالُ الرابعُ : قد ثبت بما سبق أنَّ آدم وحوَّاءَ - عليهما السَّلامُ - لو صدقا إبليس فيما قال لم يلزم تكفِرُهُمَا فهل يقولون : إنَّهُما صَدَّقَاهُ فيه قطعاً ؟ أو لم يحصل القَطْعُ ، فهل يقولُون : أنَّهُمَا ظَنَّا أن الأمر كما قال ، أو ينكرون هذا الظَّنَّ أيضاً .

فالجواب : أنَّ المحقِّقين أنْكَرُوا حصول هذا التَّصديق قطعاً وظناً كما نجد أنفسنا عند الشَّهْوةِ ، نقدُمُ على الفعلِ إذا زينَ لنا الغير ما نشتهيه ، وإنْ لم نعتقد الأمر كما قال .

السُّؤالُ الخامِسُ : قوله : { إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين } هذا التَّرغيبُ ، والتَّطْمِيعُ وقع بمَجْمُوع الأمرين ، أو بأحدهما ؟ والجوابُ : قال بعضهم{[15917]} : التَّرْغيبُ في مجموع الأمرين ؛ لأنَّهُ أدخل في التَّرْغِيبِ .

وقيل : بل هُوَ عَلَى ظاهره على طريق التَّخْييرِ .


[15894]:البيت ينظر: ديوانه 108، البحر 4/266، شرح المفضليات 3/1421، الدر المصون 3/247.
[15895]:ينظر: تهذيب اللغة 13/136. مادة "وسوس"، وليس في التهذيب مادة "وزوز" ولا يذكر أن وزوز لغة في وسوس.
[15896]:ينظر: تفسير الرازي 14/38.
[15897]:ينظر: تفسير الرازي 14/38.
[15898]:ينظر: المصدر السابق.
[15899]:سقط من ب.
[15900]:في الدر: آيل.
[15901]:ينظر: البحر المحيط 4/279، والدر المصون 3/247.
[15902]:ينظر السابق، والمحرر الوجيز 2/384.
[15903]:تقدم.
[15904]:تقدم في سورة المائدة آية 31.
[15905]:ينظر: المحرر الوجيز 2/384، والبحر المحيط 4/279، والدر المصون 3/247.
[15906]:ينظر: القراءة السابقة.
[15907]:ينظر: البحر المحيط 4/279، والدر المصون 3/247.
[15908]:ينظر: المحرر الوجيز 2/385، والبحر المحيط 4/280 والدر المصون 3/248.
[15909]:في الدر: الملكية.
[15910]:ينظر: تفسير الرازي 14/39.
[15911]:ينظر: المصدر السابق.
[15912]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 14/40.
[15913]:وقرأ بها أيضا الحسن بن علي، والضحاك ويحيى بن كثير والزهري، وابن حكيم. ينظر البحر المحيط 4/280، والرازي 14/40.
[15914]:ينظر: الفخر الرازي 14/40.
[15915]:ينظر: الفخر الرازي 14/40.
[15916]:ينظر: المصدر السابق.
[15917]:ينظر: تفسير الرازي 14/41.