محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ} (15)

[ 14 ] { قال أنظرني إلى يوم يبعثون ( 14 ) } .

{ قال } أي : الله له : { إنك من المنظرين } أي من المؤجلين إلى نفخة الصور الثانية . قال ابن كثير : أجابه تعالى إلى ما سأل ، لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع . ولا معقب لحكمه .

وقال الإمام أبو سعد المحسن بن كرامة الجشمي اليماني في تفسيره ( التهذيب ) {[3866]} : / ومتى قيل : ما وجه سؤاله مع أنه مطرود وملعون ؟ فجوابنا علمه بإحسانه تعالى إلى خلقه من أطاع ومن عصى ، فلم يمنعه من السؤال ما ارتكب من المعصية . ومتى قيل : هل خاطبه بهذا ؟ قلنا : يحتمل ذلك ، ويحتمل أنه أمر ملكا فخاطبه به . ومتى قيل : هل يجوز إجابة دعاء الكافر ؟ قلنا : فيه خلاف .

الأول : قيل لا ، لأنه إكرام وتعظيم- عن أبي علي- ولذلك يقال : فلان مستجاب الدعوة ، وإنظاره لا على سبيل إجابة دعائه ، لأنه ملعون ولأنه لم يسأل على وجه الخضوع .

/ الثاني : يجوز إجابة دعائه استصلاحا له ، لأنه تفضل- عن أبي بكر أحمد بن علي- وليس بالوجه . ومتى قيل : إذ أنظر هل يكون إغراء بالمعصية ؟ قلنا : لا ، لأنه لم يعلم ما الوقت / المعلوم ، فلا يكون إغراء مع تجويزه هجوم الموت عليه ، ولأنه تعالى لما أعلمه أنه يدخله النار ، ولعنه- علم أنه لا يختار الإيمان أبدا . ومتى قيل : ما فائدة إنظاره ؟ قلنا : لطف له ، لأنه يمكنه من استدراك أمره . وهل يضل به أحد ؟ قال أبو علي : لا ، لقوله تعالى : { ما أنتم/ عليه بفاتنين ، إلا من هو صال الجحيم }{[3867]} . ولأنه لو ضل به أحد ، لكان بقاؤه مفسدة ، فكان الله تعالى لا ينظره . فأما أبو هاشم فيجوز أن يضل به أحد ، ويكون بمنزلة زيادة الشهوة ، ويجوز أن يكون لطفا لنا من وجوه : أحدها أن المكلف مع وسوسته إذا امتنع من القبيح ، كان ثوابه أكثر ، ولأنه تعالى عرفنا عداوته ، والعاقل يجتهد في أن يغيظ عدوه ويغمه ، وذلك إنما يكون بطاعة ربه ، ومن أطاعه فمن قبل نفسه أتى ، لا من قبل ربه . انتهى كلام الجشمي ، وهو جار على أصول المعتزلة .


[3866]:- قال الأستاذ السيد ظافر القاسمي، حفظه الله، ولد المؤلف رضي الله عنه: وجد على غلاف الجزء السابع من هذا الكتاب بخط المؤلف رحمه الله ما نصه: وقفت على الجزء الرابع من تفسير اشتري من اليمن، يسمى "التهذيب" من الأعراف إلى براءة، كتب عليه ما مثاله: "تصنيف الشيخ الإمام سعد المحسن بن كرامة الجشمي رحمة الله عليه" وترتيبه، بعد أن يسوق آية أو آيتين أو ثلاثا، أن يقول: القراءة – ثم يذكر وجوه القراءات. اللغة- ثم يذكر مفردات الآية ومعانيها اللغوية واشتقاقها الإعرhب. النظم المعنى الأحكام- يذكر فيها دلالة الآي على كذا وكذا الخ. القصة- إن كانت حوت ذلك. وهو ترتيب جميل. انتهى ما كتبه المؤلف رحمه الله. وقد سألت الأستاذ الشيخ حامد التقي، من علماء دمشق، وقد سبق له أن لازم المؤلف رحمه الله قرابة عشرين عاما، عن الكتاب ومؤلفه الجشمي فأجابني: كان المرحوم غالب النائلي رفيقا للإمام القاسمي في طلب العلم، وتجمعهما قرابة رحمية، وقد كان موظفا أيام الدولة العثمانية، فنقل إلى اليمن، وعاش فيها حول عشر سنوات، عاد بعدها، ومعه بعض الكتب المخطوطة، وقد اطلع عليها المؤلف، فوجد من بينها هذا الجزء من "الهذيب" وحده، فاقتبس منه ما استحسن اقتباسه. وقد توفي المرحوم غالب.انتهى كلام الأستاذ التقي. ثم تجيء بعد هذا ترجمة الجشمي وها هي: بسم الله الرحمن الرحيم وأما ترجمة الإمام أبي سعد المحسن بن كرامة الجشمي، فبعد البحث عثرت على ترجمة مختصرة له في كتاب (ترايخ بيهق) المطبوع باللغة الفارسية طبع إيران وستراها في الصفحة المقابلة فسلموها لظافر بك القاسمي مع إبلاغه السلام. ولعلك تفحص عن كتاب (التهذيب) في المكتبة الظاهرية إذا كان لا يوجد في مكتبة ظافر بك، فإنه على الظاهر تفسير حسن وصاحبه ينتمي إلى علي رضي الله عنه. "ترجمة الحاكم الإمام أبي سعد المحسن بن محمد بن كرامة البيهقي". تولد ونشأ في قصبة جشم- في إيران قريبة من بيهق، وبيهق اسمها الآن سبزوار، وهي إلى سبزوار بالقرب من نيسابور في لواء خراسان- وله تصانيف في الأصول والفقه كثيرة. مثل عيون المسائل وشرح العيون وغيرها. مثل تحكيم العقول. وله تفسير لطيف يقع في عشرين مجلدا- ولم يذكر المترجم أن اسمه التهذيب- وله طريقة لطيفة في التصنيف. تفقه في مجلس القاضي أبي محمد الناصحي وكان يختلف في ذلك إلى الأمير أبي الفضل الميكالي. وقد روى الحديث عن الإمام أبي عبد الرحمن السلمي والإمام أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي. وقد مدحه الإمام علي بن أبي صالح الخواري بهذه الأبيات: ألا يا ضاربا في الأرض أقصر*** فما تبغيه عند ابن الكرامـــــــه أقـول لــم غــدا يبغي مزيـــــدا*** عليه: علمــت أنك في الكرامـه أليـــــــس يقابل الطلاب مهمـا*** تلقــوه ببــر أو كــــرامــــــــه أبا سعــد بقيـت فكـــل شخـص*** يــروم الفضـل حقـا منك رامه ومدحه أيضا الإمام مسعود بن علي الصوابي بهذه الأبيات: أبــا سعــد جزيــت بلا نهايــة*** أراك بلغـت في التصنيف غايـه وخلصت القلــوب الغلف حقا*** وأوضحت الشريعة والهدايــــة وهو الحاكم الإمام أبو سعد المحسن بن محمد بن كرامة بن محمد أحمد بن الحسن بن كرامة بن إبراهيم بن إسماعيل بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب عليه السلام. فبينه وبين جده ابن الحنفية عشرة آباء إلى علي رضي الله عنه أحد عشر، وهو علوي ولكنه لم يكن معروفا ولم يشتهر بهذا النسب. وله ولدان أحدهما الحاكم محمد توفي في شهور سنة ثمان عشرة وخمسمائة. ولم يذكر المترجم تاريخ وفاة المترجم له ولا تاريخ ولادته. ولكن يعرف تاريخ وفاته على الإجمال من ملاحظة تاريخ وفاة ولده الحاكم محمد المذكور. نقلت هذه الترجمة عن كتاب (تاريخ بيهق) تأليف أبي الحسن بن علي بن زيد البيهقي المعروف بابن فندق، المطبوع باللغة الفارسية في إيران بتاريخ 1317 شمسية. 17 رجب سنة 1376 وأقول أنا: لقد بحثت عن هذا التفسير حتى علمت أن البعثة المصرية لتصوير المخطوطات في بلاد اليمن، ذكرت في التقرير الذي قدمه إلى وزارة المعارف رئيسها الدكتور خليل يحيى نامي بالصفحة رقم 18 منه ما يأتي: 9- كتاب التقريب المنتزع من كتاب (التهذيب) لأبي سعد الحسين بن كرامة الجشمي البيهقي- للقاضي محمد بن عامر الأصبهاني- رقم التصوير17. 10- التهذيب في التفسير- للحاكم أبي سعد بن كرامة الجشمي البيهقي، الموجود منه ثمانية مجلدات. رقم التصوير من 87- 93 و270. وهذا محفوظ بدار الكتب. انتهى.
[3867]:- [37/ الصافات/ 162 و163].