اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لَنُخۡرِجَنَّكَ يَٰشُعَيۡبُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرۡيَتِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۚ قَالَ أَوَلَوۡ كُنَّا كَٰرِهِينَ} (88)

قوله تعالى : { قَالَ الملأ الذين استكبروا } هم الرؤساء { لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب } ونخرج أتباعك من قريتنا .

وقوله : { والذين آمَنُواْ } عطف على الكاف ، و " يا شعيبُ " اعتراض بين المتعاطفين .

قوله : { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } عطف على جواب القسم ، إذ التقدير : والله لنخرجنَّكَ والمؤمنين أو لتعودُنَّ ، فالعَوْدُ مُسند إلى ضمير النبي ومَنْ آمن معه .

فإن قيل : إن شعيباً لم يكن قطّ على دينهم ولا ملتهم ، فكيف يحسن أن يقال : { أو لتعودن في ملتنا } ، وقوله : { قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِباً إن عدنا في ملتكم } يدل أيضاً على ذلك ؟ .

فالجواب : أن " عاد " في لسان العرب لها استعمالان :

أحدهما - وهو الأصل - أنه الرجوع إلى ما كان عليه من الحال الأول .

والثاني : استعمالُها بمعنى " صار " ، وحينئذ ترفعُ الاسم وتنصبُ الخبرَ ، فلا تكتفي بمرفوع وتفتقر إلى منصوب ، [ وهذا عند بعضهم ] ومنهم من منع أن تكون بمعنى " صار " فمن مجيئها بمعنى " صار " قوله : [ الطويل ]

وَرَبَّيْتُهُ حَتَّى إذَا ما تَرَكْتُهُ *** أخَا القَومِ واسْتَغْنَى عَنِ المَسْحِ شَارِبُهْ

وَبِالْمَحْض حَتَّى عَادَ جَعْداً عَنَطْنَطاً *** إذَا قَامَ سَاوَى غَارِبَ الفَحْلِ غَارِبُهْ{[16507]}

فرفع ب " عاد " ضمير الأول ونصب بها " جَعْداً " ، ومَنْ مَنَع ذلك يَجْعل المنصوب حالاً قال : [ الطويل ]

فَإنْ تَكُنْ الأيَّامُ أحْسَنَ مُدَّةً *** إليَّ فَقَدْ عَادَتْ لَهُنَّْ ذُنُوبُ{[16508]}

أي : صار لهن ذنوب ، ولم يرد أن ذنوباً كانت لهن قبل الإحسان ، وعلى هذا فزال الإشكال ، والمعنى : لتصيرنّ في ملتنا بعد أن لم تكونوا ، ف{ في ملتنا } خبر على هذا .

وأمّا على الأول فالجواب من وجوه :

أحدها : أن هذا القول من رؤسائهم ، قصدوا به التلبيس على العوام ، والإيهام لهم أنه كان على دينهم وفي مِلَّتِهِمْ .

الثاني : أنهم خاطبوا شعيباً بخطاب أتباعه ، وأجروا عليه أحكامهم .

الثالث : أن يُراد بعَوْده رجوعُه إلى حالة سكوته قبل بعثته ؛ لأنه قبل أن يبعث إليهم كان يُخْفي إيمانه ، وهو ساكت عنهم بريء مِنْ معبودهم غير الله .

وعدَّى " عاد " ب " في " الظرفية ، كأن المِلَّة لهم بمنزلةِ الوعاءِ المحيط بهم .

قوله : { أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } الاستفهامُ للإنكار تقديره : أيوجدُ منكم أحد هذين الشيئين : أعني الإخراج من القرية ، والعَوْد في الملة على كل حال حتى في حال كراهتنا لذلك ؟ .

وقال الزمخشري{[16509]} : " الهمزةُ للاستفهام ، والواوُ واو الحال تقديره : أتعيدوننا في ملَّتكم في حال كراهتنا " .

قال أبو حيان{[16510]} : " وليست هذه واو الحال ، بل واو العطف ، عطفت هذه الحال على حال محذوفة ، كقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( رُدُّوا الساَّئِلَ ولَوْ بِظلْفٍ مُحرقٍ{[16511]} ) . ليس المعنى : رُدُّوه حال الصدقة عليه بظلف مُحرق ، بل معناه : رُدُّوه مصحوباً بالصدقة ولو مصحوباً بظلفٍ محرق ، وقد تقدّمت هذه المسألة ، وأنه يصح أن تُسمَّى واو الحال وواو العطف [ وتحرير ذلك ، ولولا تكريره لما كرَّرْته ]{[16512]} .

وقال أبو البقاء{[16513]} : و " لو " هنا بمعنى " إنْ " لأنها للمستقبل ، ويجوز أن تكون على أصلها ، ويكون المعنى : لو كنا كارهين في هذا الحال أي إن كنا كارهين لذلك فتجبروننا عليه .

وقوله : " لأنها للمستقبل " ممنوع .


[16507]:تقدم.
[16508]:ينظر: المحرر الوجيز 2/428، والرازي 14/144. وروح المعاني 9/2.
[16509]:ينظر: الكشاف 2/130.
[16510]:ينظر: البحر المحيط 4/345.
[16511]:اخرجه مالك في الموطأ 2/923، كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم: باب ما جاد في المسكين الحديث 8 وأخرجه أحمد في المسند 6/435 ضمن مسند حواء جدة عمرو بن معاذ رضي الله عنها، وأخرجه أبو داود في السنن 2/307، كتاب الزكاة: باب حق السائل الحديث 1667، وأخرجه الترمذي في السنن 3/52-53 كتاب الزكاة باب ما جاء في حق السائل 29، الحديث (665) وقال: (حديث بجير حديث حسن صحيح). وأخرجه النسائي في المجتبى من السنن 5/81، كتاب الزكاة باب رد السائل وأخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في موارد الظمآن ص 211 كتاب الزكاة: باب إعطاء السائل ولو ظلفا محرقا الحديث (825) وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/417، كتاب الزكاة باب تأكيد الإعطاء للسائل وقالك (صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي.
[16512]:سقط من أ.
[16513]:ينظر: الإملاء 1/279.