اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّآ أَخَذۡنَآ أَهۡلَهَا بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَضَّرَّعُونَ} (94)

قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ } الآية .

لمَّا عرَّفنا أحوال هؤلاءِ الأنْبِيَاءِ ، وما جرى على أمَمِهِمْ كان من الجَائزِ أن يُظَنَّ أنَّهُ تعالى ما أنزل عذاب الاستئِصَالِ إلاّ في زمن هؤلاء الأنبياء فَقَطْ ؛ فَبَيَّنَ في هذه الآيَةِ أنَّ هذا الهلاكَ قد فعلهُ بغيرهم ، وبيَّن العِلَّة الَّتي فعل بها ذلك فقال : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بالبأساء والضراء } ، وفيه حذفٌ وإضمار وتقديره : " من نَبِيّ فَكَذَّبُوهُ ، أو فكذبه أهْلُهَا " . وذكر القريةَ ؛ لأنَّهَا مجتمع القوم ، ويَدْخُلُ تحت هذه اللَّفْظَةِ المدينة ؛ لأنَّهَا مجتمع الأقْوَامِ .

قوله : " إلاَّ أخَذْنَا " هذا استثناءٌ مفرَّغٌ ، و " أخَذْنَا " في محلِّ نَصْبٍ [ على الحَالِ ]{[16570]} والتَّقديرُ : وما أرْسَلْنَا إلاَّ آخذين أهلها ، والفِعْلُ الماضي لا يقعُ بعد " إلاَّ " إلاَّ بأحد شرطين : إمَّا تقدُّم فعل كهذه الآية ، وإمَّا أن يصحب " قَدْ " نحو : ما زيد إلاَّ قد قَامَ ، فلو فُقِد الشَّرْطان امتنع فلا يجوز : ما زيد إلاَّ قام .

قوله : { بالبأسآء والضراء } .

قال الزَّجَّاجُ : " البَأسَاءُ : كلُّ ما ينالهم من الشِّدَّةِ في أحوالهم ، والضراء : ما ينالهم من الأمْرَاضِ{[16571]} " .

وقيل : " على العكس " .

وقال ابْنُ مسعود : " البَأسَاءُ : الفقر ، والضَّرَّاءُ : المَرَضُ " {[16572]} .

وقيل : " البَأسَاءُ في المال ، والضَّرَّاءُ في النَّفْسِ " {[16573]} .

وقيل : " البَأسَاءُ : البؤس ، وضيقُ العيشِ ، والضَّرَّاءُ : الضرُّ وسوءُ الحال " {[16574]} .

وقيل : " البَأسَاءُ : في الحزن والضَّرَّاءُ : في الجدب " {[16575]} .

" لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ " لكي يَتَضَرَّعُوا ؛ فيتوبوا .


[16570]:سقط من أ.
[16571]:ينظر: تفسير الرازي 14/150.
[16572]:ينظر: تفسير البغوي 2/183.
[16573]:المصدر السابق.
[16574]:المصدر السابق.
[16575]:المصدر السابق.