مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي [إخفاء]  
{وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ} (12)

قوله تعالى : { وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر } وفيه من البلاغة ما ليس في قول القائل : وفجرنا عيون الأرض ، وهذا بيان التمييز في كثير من المواضع ، إذا قلت ضاق زيد ذرعا ، أثبت مالا يثبته قولك ضاق ذرع زيد ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال : { وفجرنا الأرض عيونا } ولم يقل ففتحنا السماء أبوابا ، لأن السماء أعظم من الأرض وهي للمبالغة ، ولهذا قال : { أبواب السماء } ولم يقل : أنابيب ولا منافذ ولا مجاري أو غيرها .

وأما قوله تعالى : { وفجرنا الأرض عيونا } فهو أبلغ من قوله : وفجرنا عيون الأرض ، لأنه يكون حقيقة لا مبالغة فيه ، ويكفي في صحة ذلك القول أن يجعل في الأرض عيونا ثلاثة ، ولا يصلح مع هذا في السماء إلا قول القائل : فأنزلنا من السماء ماء أو مياها ، ومثل هذا الذي ذكرناه في المعنى لا في المعجزة ، والحكمة قوله تعالى : { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض } حيث لا مبالغة فيه ، وكلامه لا يماثل كلام الله ولا يقرب منه ، غير أني ذكرته مثلا : { ولله المثل الأعلى } .

المسألة الثانية : العيون في عيون الماء حقيقة أو مجاز ؟ نقول : المشهور أن لفظ العين مشترك ، والظاهر أنها حقيقة في العين التي هي آلة الأبصار ومجاز في غيرها ، أما في عيون الماء فلأنها تشبه العين الباصرة التي يخرج منها الدمع ، أو لأن الماء الذي في العين كالنور الذي في العين غير أنها مجاز مشهور صار غالبا حتى لا يفتقر إلى القرينة عند الاستعمال إلا للتمييز بين العينين ، فكما لا يحمل اللفظ على العين الباصرة إلا بقرينة ، كذلك لا يحمل على الفوارة إلا بقرينة مثل : شربت من العين واغتسلت منها ، وغير ذلك من الأمور التي توجد في الينبوع ، ويقال : عانه يعينه إذا أصابه بالعين ، وعينه تعيينا ، حقيقته جعله بحيث تقع عليه العين ، وعاينه معاينة وعيانا ، وعين أي صار بحيث تقع عليه العين .

المسألة الثالثة : قوله تعالى : { فالتقى الماء } قرئ فالتقى الماءان ، أي النوعان ، منه ماء السماء وماء الأرض ، فتثنى أسماء الأجناس على تأويل صنف ، تجمع أيضا ، يقال : عندي تمران وتمور وأتمار على تأويل نوعين وأنواع منه والصحيح المشهور : { فالتقى الماء } وله معنى لطيف ، وذلك أنه تعالى لما قال : { ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر } ذكر الماء وذكر الانهمار وهو النزول بقوة ، فلما قال : { وفجرنا الأرض عيونا } كان من الحسن البديع أن يقول : ما يفيد أن الماء نبع منها بقوة ، فقال : { فالتقى الماء } أي من العين فار الماء بقوة حتى ارتفع والتقى بماء السماء ، ولو جرى جريا ضعيفا لما كان هو يلتقي مع ماء السماء بل كان ماء السماء يرد عليه ويتصل به ، ولعل المراد من قوله : { وفار التنور } مثل هذا .

وقوله تعالى : { على أمر قد قدر } فيه وجوه ( الأول ) : على حال قد قدرها الله تعالى كما شاء ( الثاني ) : على حال قدر أحد الماءين بقدر الآخر ( الثالث ) : على سائر المقادير ، وذلك لأن الناس اختلفوا ، فمنهم من قال : ماء السماء كان أكثر ، ومنهم من قال : ماء الأرض ، ومنهم من قال : كانا متساويين ، فقال : على أي مقدار كان ، والأول إشارة إلى عظمة أمر الطوفان ، فإن تنكير الأمر يفيد ذلك ، يقول القائل : جرى على فلان شيء لا يمكن أن يقال إشارة إلى عظمته ، وفيه احتمال آخر ، وهو أن يقال : التقى الماء ، أي اجتمع على أمر هلاكهم ، وهو كان مقدورا مقدرا ، وفيه رد على المنجمين الذين يقولون إن الطوفان كان بسبب اجتماع الكواكب السبعة حول برج مائي ، والغرق لم يكن مقصودا بالذات ، وإنما ذلك أمر لزم من الطوفان الواجب وقوعه ، فقال : لم يكن ذلك إلا لأمر قد قدر ، ويدل عليه أن الله تعالى أوحى إلى نوح بأنهم من المغرقين .

 
المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ} (12)

11 - ففتحنا أبواب السماء بماء منصب كثير متتابع ، وشققنا الأرض عيوناً متفجرة بالماء . فالتقى ماء السماء وماء الأرض على إهلاكهم الذي قدَّره الله تعالى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ} (12)

{ وفجرنا الأرض عيونا } وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة ، وأصله وفجرنا عيون الأرض فغير للمبالغة . { فالتقى الماء } ماء السماء وماء الأرض ، وقرئ " الماءان " لاختلاف النوعين و " الماوان " بقلب الهمزة واوا . { على أمر قد قدر } على حال قدرها الله تعالى في الأزل من غير تفاوت ، أو على حال قدرت وسويت وهو أن قدر ما أنزل على قدر ما أخرج ، أو على أمر قدره الله تعالى وهو هلاك قوم نوح بالطوفان .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ} (12)

قوله جلّ ذكره : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاءٍ مُّنهْمَرٍ } .

كذب قوم نوح نبيَّهم ، وقالوا : إنه مجنون ، وزجروه وشتموه .

وقيل : { وَازْدُجِرَ } : أي استطار عَقْلهُ ، أي قومُ نوحٍ قالوا له ذلك .

فدعا ربَّه فقال : إِني مغلوب ؛ أي بتسلُّطِ قومي عليَّ ؛ فلم يكن مغلوباً بالحُجَّة لأنَّ الحُجَّةَ كانت عليهم ، فقال نوح لله : اللهمَّ فانتَصِرْ منهم أي انْتَقِمْ .

ففتحنا أبواب السماء بماءٍ مُنْصَبٍّ ، وشَقَقْنَا عيوناً بالماء ، فالتقي ماء السماءِ وماءُ الأرضِ على أمرٍ قد قُدِّرَ في اللوح المحفوظ ، وَقُدِرَ عليه بإهلاكهم !

وفي التفاسير : أن الماء الذي نَبَعَ من الأرضِ نَضَبَ . والماء الذي نزل من السماء هو البخارُ اليومَ .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ} (12)

9

المفردات :

فجّرنا الأرض : شققناها .

أمر قد قُدر : قدَّرناه أزلا ، وهو هلاكهم بالطوفان .

التفسير :

12- { وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } .

وجعلنا الأرض كلها عيونا متفجرة ، وينابيع متدفقة ، فالتقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قُضي عليهم ، وقد قدَّره الله في الأزل ، أن يهلكهم بالطوفان جزاء كفرهم وطغيانهم .

قال قتادة :

قضى عليهم في أم الكتاب إذا كفروا أن يُغرقوا .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ} (12)

{ فالتقى الماء } أي اجتمع ماء السماء وماء الأرض . { على أمر قد قدر } أي قد قدره الله وقضاه أزلا ؛ وهو هلاكهم بالطوفان . و " على " تعليلية .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ} (12)

فالتقى الماء على أمرٍ قد قُدِر : فالتقى ماء السماء بماءِ الأرض ، على حال قدّره الله .

وفجَّر من الأرض عيوناً فالتقى ماءُ السماء بماءِ الأرض وأهلك الكذّابين من قوم نوحٍ بالطوفان { على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } وفق أمرٍ قدَّره الله تعالى .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ} (12)

{ وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً } وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة وأصله فجرنا عيون الأرض فغير إلى التمييز للمبالغة بجعل الأرض كلها متفجرة مع الابهام والتفسير ، فالتمييز محول عن المفعول ، وجعله بعضهم محولا عن الفاعل بناءاً على أنه الأكثر ، والأصل انفجرت عيون الأرض وتحويله كما يكون عن فاعل الفعل المذكور يكون عن فاعل فعل آخر يلاقيه في الاشتقاق وهذا منه وهو تكلف لا حاجة إليه ، ومنع بعضهم مجيء التمييز من المفعول فأعرب { عُيُوناً } حالا مقدرة ، وجوز عليه أن يكون مفعولاً ثانياً لفجرنا على تضمينه ما يتعدى إليه أي صيرنا بالتفجير الأرض عيوناً وكان ذلك على ما في بعض الروايات أربعين يوماً ، وقرأ عبد الله . وأصحابه . وأبو حيوة . والمفضل عن عاصم { فجرنا } بالتخفيف { عُيُوناً فَالْتَقَى الماء } أي ماء السماء وماء الأرض ، والإفراد لتحقيق أن التفاء الماءين لم يكن بطريق المجاورة بل بطريق الاختلاط والاتحاد ، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه . والحسن . ومحمد بن كعب . والجحدري الماآن والتثنية لقصد بيان اختلاف النوعين وإلا فالماء شامل لماء السماء وماء الأرض ، ونحوه قوله

: لنا ( إبلان ) فيهما ما علمتم *** فعن ( أيها ) ما شئتم فتنكبوا

وقيل : فيها إشارة إلى أن ماء الأرض فار بقوة وارتفع حتى لاقى ماء السماء وفي ذلك مبالغة لا تفهم من الأفراد ، وقرأ الحسن أيضاً ما وان بقلب الهمزة واواً كقولهم : علبا وان كما قال الزمخشري ، ولم يرد أنه نظيره بل أراد كما أن هنالك إبدالاً بعلة أنها غير أصلية لأنها زائدة للإلحاق كذلك ههنا لأنها مبدلة والبدل وإن كان من الهاء لكنه أجريت مجرى البدل عن الواو فقيل في النسبة فيه : ماوى ، وجاء في جمعه أمواء كما جاء أمواه ، ولا يبعد أن يكون من ثناه بالواو قاسه على النسبة كذا في الكشف ، وعنه أيضاً المايان بقلب الهمزة ياءاً .

{ على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } أي كائناً على حال قد قدرها الله تعالى في الازل من غير تفاوت أو على حال قدرت وسويت وهي أن ما نزل على قدر ما خرج .

وقيل : إن ماء الأرض علا سبعة عشر ذراعاً ونزل ماء السماء مكملاً أربعين ، وقيل : ماء الأرض كان أكثر وله مقدار معين عند الله عز وجل ، أو على أمر قدره الله تعالى وكبته في اللوح المحفوظ وهو هلاك قوم نوح بالطوفان ، ورجحه أبو حيان بأن كل قصة ذكرت بعد ذكر الله تعالى فيها هلاك المكذبين فيكون هذا كناية عن هلاك هؤلاء ، و { على } عليه للتعليل ، ويحتمل تعلقها بالتقى . وفيه ردّ على أهل الأحكام النجومية حيث زعموا أن الطوفان لاجتماع الكواكب السبعة ما عدا الزهرة في برج مائي ، وقرأ أبو حيوة . وابن مقسم { قُدِرَ } بتشديد الدال .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ} (12)

شرح الكلمات :

{ وفجرنا الأرض عيوناً } : أي تنبع نبعاً .

{ فالتقى الماء } : أي ماء السماء وماء الأرض .

{ على أمر قد قدر } : أي في الأزل ليغرقوا به فيهلكوا .

المعنى :

وفجرنا الأرض عيوناً نابعة من الأرض فالتقى الماء النازل من السماء والنابع من الأرض { على أمر قد قدر أي قدره الله في الأزل وقضى بأن يهلكهم بماء الطوفان .

الهداية

من الهداية :

- تقرير حادثة الطوفان والتي لا ينكرها إلا سفيه لم يحترم عقله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ} (12)

{ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا } فجعلت السماء ينزل منها من الماء شيء خارق للعادة ، وتفجرت الأرض كلها ، حتى التنور الذي لم تجر العادة بوجود الماء فيه ، فضلا عن كونه منبعا للماء ، لأنه موضع النار .

{ فَالْتَقَى الْمَاءُ } أي : ماء السماء والأرض { عَلَى أَمْرٍ } من الله له بذلك ، { قَدْ قُدِرَ } أي : قد كتبه الله في الأزل وقضاه ، عقوبة لهؤلاء الظالمين الطاغين