قوله تعالى : { إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال تعالى : { فكيف كان عذابي } بتوحيد الضمير هناك ولم يقل عذابنا ، وقال : هاهنا { أنا } ، ولم يقل إني ، والجواب ما ذكرناه في قوله تعالى : { ففتحنا أبواب السماء } .
المسألة الثانية : الصرصر فيها وجوه ( أحدها ) : الريح الشديدة الصوت من الصرير والصرة شدة الصياح ( ثانيها ) : دائمة الهبوب من أصر على الشيء إذا دام وثبت ، وفيه بحث وهو أن الأسماء المشتقة هي التي تصلح لأن يوصف بها ، وأما أسماء الأجناس فلا يوصف بها سواء كانت أجراما أو معاني ، فلا يقال : إنسان رجل جاء ولا يقال : لون أبيض وإنما يقال : إنسان عالم وجسم أبيض . وقولنا : أبيض معناه شيء له بياض ، ولا يكون الجسم مأخوذا فيه ، ويظهر ذلك في قولنا رجل عالم فإن العالم شيء له علم حتى الحداد والخباز ولو أمكن قيام العلم بهما لكان عالما ولا يدخل الحي في المعنى من حيث المفهوم فإنا إذا قلنا : عالم يفهم أن ذلك حي لأن اللفظ ما وضع لحي يعلم بل اللفظ وضع لشيء يعلم ويزيده ظهورا قولنا : معلوم فإنه شيء يعلم أو أمر يعلم وإن لم يكن شيئا ، ولو دخل الجسم في الأبيض لكان قولنا جسم أبيض كقولنا جسم له بياض فيقع الوصف بالجثة ، إذا علمت هذا فمن المستفاد بالجنس شيء دون شيء ، فإن قولنا الهندي يقع على كل منسوب إلى الهند وأما المهند فهو سيف منسوب إلى الهند فيصح أن يقال : عبد هندي وتمر هندي ولا يصح أن يقال : مهند وكذا الأبلق ولون آخر في فرس ولا يقال للثوب أبلق ، كذلك الأفطس أنف فيه تقعير إذا قال لقائل : أنف أفطس فيكون كأنه قال أنف به فطس فيكون وصفه بالجثة وكان ينبغي أن لا يقال فرس أبلق ولا أنف أفطس ولا سيف مهند وهم يقولون فما الجواب ؟ وهذا السؤال يرد على الصرصر لأنها الريح الباردة ، فإذا قال : ريح صرصر فليس ذلك كقولنا : ريح باردة فإن الصرصر هي الريح الباردة فحسب ، فكأنه قال : ريح باردة فنقول : الألفاظ التي في معانيها أمران فصاعدا ، كقولنا : عالم فإنه يدل على شيء له علم ففيه شيء وعلم هي على ثلاثة أقسام ( أحدها ) : أن يكون الحال هو المقصود والمحل تبع كما في العالم والضارب والأبيض فإن المقاصد في هذه الألفاظ العلم والضرب والبياض بخصوصها ، وأما المحل فمقصود من حيث إنه على عمومه حتى أن البياض لو كان يبدل بلون غيره اختل مقصوده كالأسود . وأما الجسم الذي هو محل البياض إن أمكن أن يبدل وأمكن قيام البياض بجوهر غير جسم لما اختل الغرض ( ثانيها ) : أن يكون المحل هو المقصود كقولنا الحيوان لأنه اسم لجنس ما له الحياة لا كالحي الذي هو اسم لشيء له الحياة ، فالمقصود هنا المحل وهو الجسم حتى لو وجد حي ليس بجسم لا يحصل مقصود من قال : الحيوان ولو حمل اللفظ على الله الحي الذي لا يموت لحصل غرض المتكلم ولو حمل لفظ الحيوان على فرس قائم أو إنسان نائم لم تفارقه الحياة لم يبق للسامع نفع ولم يحصل للمتكلم غرض فإن القائل إذا قال لإنسان قائم وهو ميت هذا حيوان ثم بان موته لا يرجع عما قال بل يقول : ما قلت إنه حي بل قلت إنه حيوان فهو حيوان فارقته الحياة ( ثالثها ) : ما يكون الأمران مقصودين كقولنا رجل وامرأة وناقة وجمل فإن الرجل اسم موضوع لإنسان ذكر والمرأة لإنسان أنثى والناقة لبعير أنثى والجمل لبعير ذكر فالناقة إن أطلقت على حيوان فظهر فرسا أو ثور اختل الغرض وإن بان جملا كذلك ، إذا علمت هذا ففي كل صورة كان المحل مقصودا إما وحده وإما مع الحال فلا يوصف به فلا يقال جسم حيوان ولا يقال بعير ناقة وإنما يجعل ذلك جملة ، فيوصف بالجملة ، فيقال جسم هو حيوان وبعير هو ناقة ، ثم إن الأبلق والأفطس شأنه الحيوان من وجه وشأنه العالم من وجه وكذلك المهند لكن دليل ترجيح الحال فيه ظاهر ، لأن المهند لا يذكر إلا لمدح السيف ، والأفطس لا يقال إلا لوصف الأنف لا لحقيقته ، وكذلك الأبلق بخلاف الحيوان فإنه لا يقال لوصفه ، وكذلك الناقة ، إذا علمت هذا فالصرصر يقال لشدة الريح أو لبردها فوجب أن يعمل به ما يعمل بالبارد والشديد فجاز الوصف وهذا بحث عزيز .
المسألة الثالثة : قال تعالى هاهنا { إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا } وقال في الطور : { وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } فعرف الريح هناك ونكرها هنا لأن العقم في الريح أظهر من البرد الذي يضر النبات أو الشدة التي تعصف الأشجار لأن الريح العقيم هي التي لا تنشئ سحابا ولا تلقح شجرا وهي كثيرة الوقوع ، وأما الريح المهلكة الباردة فقلما توجد ، فقال : الريح العقيم أي هذا الجنس المعروف ، ثم زاده بيانا بقوله : { ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم } فتميزت عن الرياح العقم ، وأما الصرصر فقليلة الوقوع فلا تكون مشهورة فنكرها .
المسألة الرابعة : قال هنا { في يوم نحس مستمر } وقال في السجدة : { في أيام نحسات } وقال في الحاقة : { سبع ليال وثمانية أيام حسوما } والمراد من اليوم هنا الوقت والزمان كما في قوله تعالى : { يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا } وقوله : { مستمر } يفيد ما يفيده الأيام لأن الاستمرار ينبئ عن إمرار الزمان كما ينبئ عنه الأيام ، وإنما اختلف اللفظ مع اتحاد المعنى ، لأن الحكاية هنا مذكورة على سبيل الاختصار ، فذكر الزمان ولم يذكر مقداره ولذلك لم يصفها ، ثم إن فيه قراءتين إحداهما : { يوم نحس } بإضافة يوم ، وتسكين نحس على وزن نفس ، وثانيتهما : { يوم نحس } بتنوين الميم وكسر الحاء على وصف اليوم بالنحس ، كما في قوله تعالى : { في أيام نحسات } فإن قيل أيتهما أقرب ؟ قلنا : الإضافة أصح ، وذلك لأن من يقرأ : { يوم نحس مستمر } يجعل المستمر صفة ليوم ، ومن يقرأ يوم نحس مستمر يكون المستمر وصفا لنحس ، فيحصل منه استمرار النحوسة فالأول أظهر وأليق ، فإن قيل : من يقرأ يوم نحس بسكون الحاء ، فماذا يقول في النحس ؟ نقول : يحتمل أن يقول هو تخفيف نحس كفخذ وفخذ في غير الصفات ، ونصر ونصر ورعد ورعد ، وعلى هذا يلزمه أن يقول تقديره : يوم كائن نحس ، كما تقول في قوله تعالى : { بجانب الغربي } ويحتمل أن يقول : نحس ليس بنعت ، بل هو اسم معنى أو مصدر ، فيكون كقولهم يوم برد وحر ، وهو أقرب وأصح .
المسألة الخامسة : ما معنى مستمر ؟ نقول فيه وجوه ( الأول ) : ممتد ثابت مدة مديدة من استمر الأمر إذا دام ، وهذا كقوله تعالى : { في أيام نحسات } لأن الجمع يفيد معنى الاستمرار والامتداد ، وكذلك قوله : { حسوما } ( الثاني ) : شديد من المرة كما قلنا من قبل في قوله : { سحر مستمر } وهذا كقولهم أيام الشدائد ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : { في أيام نحسات لنذيقهم بعض الذي } فإنه يذيقهم المر المضر من العذاب .
قوله جلّ ذكره : { كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِِنَّا أَرْسْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمٍ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } .
كَذَّبوا هوداً ، فأرسلنا عليهم { رِيحاً صَرْصَراً } أي : باردةً شديدة الهُبوب ، يُسْمَعُ لها صوت .
{ فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } أي : في يوم شؤم استمرَّ فيه العذابُ بهم ، ودام ذلك فيهم ثمانيةَ أيام وسَبْعَ ليالٍ ، وقيل : دائم الشؤم تنزع رياحُه الناسَ عن حُفَرِهم التي حفروها . حتى صاروا كأنهم أسافلُ نخلٍ مُنْقَطِع . وقيل : كانت الريح تقتلع رؤوسهم عن مناكبهم ثم تُلْقي بهم كأنهم أصول نخلٍ قطعت رؤوسُها .
ريحا صرصرا : باردة أشد البرد ، يقال : ريح صرّ وصرصر أي : شديدة الصوت ، أو الباردة .
النّحس : الشؤم على عاد حتى أهلكهم .
مستمر : دائم شؤمه حتى أهلكهم .
19-{ إنّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ } .
أرسلنا عليهم ريحا باردة شديدة الصوت .
قيل : باردة ، وقيل : شديدة الصوت ، والحق أنها متصفة بجميع ذلك ، فقد كانت ريحا شديدة قوية ، وكانت باردة شديدة البرد ، وكانت ذات صوت مزعج . أ . ه .
أي : جمعت الهلاك والإبادة والتدمير ، في يوم شؤم على هؤلاء المعتدين مستمر ، حيث اتصل عذابهم في الدنيا بعذابهم في الآخرة ، وقد نهينا في السنة المطهرة عن التشاؤم من أمر بعينه ، أو يوم بعينه وإنما الأيام والليالي كلها سواء ، لذا كان التشاؤم بالعدد ( 13 ) غير صحيح شرعا ودينا .
روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ، وفرّ من المجذوم فرارك من الأسد " vi .
أي أن العدوى لا تقع إلا بإذن الله ، ولا يجوز التطيّر أو التشاؤم من شيء ، فإذا رأى الإنسان شيئا يتشاءم منه ، يقول : " اللهم لا يأتي بالخير إلا أنت ، ولا يُذهب السوء إلا أنت ، اللهم اكفني السوء بما شئت وكيف شئت ، إنك على ما تشاء قدير " vii . ثم يمضي في عمله ولا يتراجع عنه .
( ولا هامة ) كانت العرب تعتقد أن روح القتيل تتقمّص طائرا يسمى الصَّدى وتصيح بالليل تقول : ( اسقوني من دم قاتلي ) ، فإذا أخذ بثأره هدأ القتيل واستقرت روحه ، وهذه خرافة لا أصل لها ، وكانت تدفعهم للأخذ بالثأر ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لا هامة " .
( ولا صفر ) قد حرّم الله القتال في شهر المحرم ، وكان العرب إذا احتاجوا إلى الحرب في المحرم ، قام كبيرهم ، فقال : إني أحللت لكم القتال في المحرم ، ونقلت تحريمه إلى شهر صفر ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ولا صفر " ، أي : لا يجوز تحريم القتال في شهر صفر ، بل يجب الإبقاء على جعل المحرم هو الشهر الحرام بنفسه دون غيره .
وفي آخر الحديث نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى الابتعاد عن الاختلاط بأصحاب الأمراض المعدية ، فكما تفرّ من الأسد المفترس ، ينبغي أن تفرَّ من المريض بالجُذام ، ويقاس عليه كل مرض مُعد .
وقوله تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } استئناف لبيان ما أجمل أولا ، والصرصر الباردة على ما روي عن ابن عباس . وقتادة . والضحاك ، وقيل : شديدة الصوت وتمام الكلام قد مر في { فُصّلَتْ } .
{ فِي يَوْمِ نَحْسٍ } شؤم عليهم { مُّسْتَمِرٌّ } ذلك الشؤم لأنهم بعد أن أهلكوا لم يزالوا معذبين في البرزخ حتى يدخلوا جهنم يوم القيامة ، والمراد باليوم مطلق الزمان لقوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } [ فصلت : 16 ] ، وقوله سبحانه : { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ لَيَالٍ وثمانية أَيَّامٍ حُسُوماً } [ الحاقة : 7 ] والمشهور أنه يوم الأربعاء وكان آخر شوّال على معنى أن ابتداء إرسال الريح كان فيه فلا ينافي آيتي { فُصّلَتْ } .
وجوز كون { سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } صفة يوم أي في يوم استمر عليهم حتى أهلكهم ، أو شمل كبيرهم وصغيرهم حتى لم تبق منهم نسمة على أن أن الاستمرار بحسب الزمان أو بحسب الأشخاص والأفراد لكن على الأول لا بد من تجوز بإرادة استمرار نحسه ، أو بجعل اليوم بمعنى مطلق الزمان لأن اليوم الواحد لم يستمر فتدبر ، وجوز كون { مُّسْتَمِرٌّ } بمعنى محكم وكونه بمعنى شديد المرارة وهو مجاز عن بشاعته وشدة هو له إذ لا طعم له ، وجوز كونه بدلاً ، أو عطف بيان وهو كما ترى ، وقرأ الحسن { يَوْمِ نَحْسٍ } بتنوين يوم وكسر حاء نحس ، وجعله صفة ليوم فيتعين كون { مُّسْتَمِرٌّ } صفة ثانية له ، وأيد بعضهم بالآية ما أخرجه وكيع في الغرر . وابن مردويه . والخطيب البغدادي عن ابن عباس مرفوعاً آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر وأخذ بذلك كثير من الناس فتطيروا منه وتركوا السعي لمصالحهم فيه ويقولون له : أربعاء لا تدور ، وعليه قوله :
لقاؤك للمبكر فأل سوء *** ووجهك أربعاء لا تدور
وذلك مما لا ينبغي ، والحديث المذكور في سنده مسلمة بن الصلت قال أبو حاتم : متروك ، وجزم ابن الجوزي بوضعه ؛ وقال ابن رجب : حديث لا يصح ورفعه غير متفق عليه فقد رواه الطيوري من طريق آخر موقوفاً على ابن عباس ، وقال السخاوي : طرقه كلها واهية ، وضعفوا أيضاً خبر الطبراني يوم الأربعاء يوم نحس مستمر ، والآية قد علمت معناها ، وجاء في الأخبار والآثار ما يشعر بمدحه ففي منهاج الحليمي ، وشعب البيهقي أن الدعاء يستجاب يوم الأربعاء بعيد الزوال ، وذكر برهان الإسلام في تعليم المتعلم عن صاحب الهداية أنه ما بدئ شيء يوم الأربعاء إلا وتم وهو يوم خلق الله تعالى فيه النور فلذلك كان جمع من المشايخ يتحرون ابتداء الجلوس للتدريس فيه ، واستحب بعضهم غرس الأشجار فيه لخبر ابن حبان . والديلمي عن جابر مرفوعاً «من غرس الأشجار يوم الأربعاء وقال : سبحان الباعث الوارث أتته أكلها »
نعم جاءت أخبار وآثار تشعر بخلاف ذلك ، ففي الفردوس عن عائشة مرفوعاً «لولا أن تكره أمتي لأمرتها أن لا يسافروا يوم الأربعاء ، وأحب الأيام إلى الشخوص فيها يوم الخميس » وهو غير معلوم الصحة عندي .
وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس . وابن عدى . وتمام في فوائده عن أبي سعيد مرفوعاً «يوم السبت يوم مكر وخديعة . ويوم الأحد يوم غرس وبناء . ويوم الاثنين يوم سفر وطلب رزق . ويوم الثلاثاء يوم حديد وبأس . ويوم الأربعاء لا أخذ ولا عطاء . ويوم الخميس يوم طلب الحوائج والدخول على السلطان . والجمعة يوم خطبة ونكاح » وتعقبه السخاوي بأن سنده ضعيف ، وروي ابن ماجه عن ابن عمر مرفوعاً ، وخرجه الحاكم من طريقين آخرين «لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء » وفي بعض الآثار النهي عن قص الأظفار ويوم الأربعاء وأنه يورث البرص ، وكره بعضهم عيادة المرضى فيه ، وعليه قيل :
لم يؤت في الأربعاء مريض *** إلا دفناه في الخميس
وحكى عن بعضهم أنه قال لأخيه : أخرج معي في حاجة فقال : هو الأربعاء قال : فيه ولد يونس قال : لا جرم قد بانت له بركته في اتساع موضعه وحسن كسوته حتى خلصه الله تعالى قال : وفيه ولد يوسف عليه السلام قال : فما أحسن ما فعل أخوته حتى طال حبسه وغربته قال : وفيه نصر المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال : أجل لكن بعد أن زاغت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ونقل المناوي عن البحر أن أخباره عليه الصلاة والسلام عن نحوسة آخر أربعاء في الشهر من باب التطير ضرورة أنه ليس من الدين بل فعل الجاهلية ولا مبني على قول المنجمين أنه يوم عطارد وهو نحس مع النحوس سعد مع السعود فإنه قول باطل ، ويجوز أن يكون من باب التخويف والتحذير أي احذروا ذلك اليوم لما نزل فيه من العذاب وكان فيه من الهلاك وجددوا فيه لله تعالى توبة خوفاً أن يلحقكم فيه بؤس كما وقع لمن قبلهم ، وهذا كما قال حين أتى الحجر : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين إلي غير ذلك ، وحكى أيضاً عن بعضهم أنه قال : التطير مكروه كراهية شرعية إلا أن الشرع أباح لمن أصابه في آخر أربعاء شيء في مصالحه أن يدع التصرف فيه لا على جهة التطير واعتقاد أنه يضر أو ينفع بغير إذن الله تعالى بل على جهة اعتقاد إباحة الإمساك فيه لما كرهته النفس لا افتقاءاً للتطير ولكن إثباتاً للرخصة في التوقي فيه لمن يشاء مع وجوب اعتقاد أن شيئاً لا يضر شيئاً ؛ ونقل عن الحليمي أنه قال : علمنا ببيان الشريعة أن من الأيام نحساً ، ويقابل النحس السعد وإذا ثبت الأول ثبت الثاني أيضاً ، فالأيام منها نحس ومنها سعد كالأشخاص منهم شقي ومنهم سعيد ، لكن زعم أن الأيام والكواكب تنحس أو تسعد باختيارها أوقاتاً وأشخاصاً باطل ، والقول إن الكواكب قد تكون أسباباً للحسن والقبيح والخير والشر والكل فعل الله تعالى وحده مما لا بأس به ، ثم قال المناوي : والحاصل أن توقي الأربعاء على جهة الطيرة وظن اعتقاد المنجمين حرام شديد التحريم إذ الأيام كلها لله تعالى لا تنفع ولا تضر بذاتها وبدون ذلك لا ضير ولا محذور فيه ؛ ومن تطير حاقت به نحوسته ، ومن أيقن بأنه لا يضر ولا ينفع إلا الله عز وجل لم يؤثر فيه شيء من ذلك كما قيل :
تعلم أنه لا طير إلا *** على ( متطير ) وهو الثبور
انتهى ، وأقول كل الأيام سواء ولا اختصاص لذلك بيوم الأربعاء وما من ساعة من الساعات إلا وهي سعد على شخص نحس على آخر باعتبار ما يحدث الله تعالى فيها من الملائم والمنافر والخير والشر ، فكل يوم من الأيام يتصف بالأمرين لاختلاف الاعتبار وإن استنحس يوم الأربعاء لوقوع حادث فيه فليستنحس كل يوم فما أولج الليل في النهار في الليل إلا لايلاد الحوادث ، وقد قيل :
ألا إنما الأيام أبناء واحد *** وهذي الليالي كلها أخوات
وقد حكى أنه صبح ثمود العذاب يوم الأحد ، وورد في الأثر ولا أظنه يصح «نعوذ بالله تعالى من يوم الأحد فإن له حداً أحد من السيف » ولو صح فلعله في أحد مخصوص علم بالوحي ما يحدث فيه ، وزعم بعضهم أن من المجرب الذي لم يخط قط أنه متى كان اليوم الرابع عشر من الشهر القمري الأحد وفعل فيه شيء لم يتم غير مسلم ، وورد في الفردوس من حديث ابن مسعود خلق الله تعالى الأمراض يوم الثلاثاء ، وفيه أنزل إبليس إلى الأرض ، وفيه خلق جهنم ، وفيه سلط الله تعالى ملك الموت على أرواح بني آدم . وفيه قتل قابيل هابيل ، وفيه توفي موسى وهارون عليهم السلام ، وفيه ابتلى أيوب الحديث ، وهو إن صح لا يدل على نحوسته غايته أنه وقع فيه ما وقع وقد وقع فيه غير ذلك مما هو خير ، ففي رواية مسلم خلق المنفق أي ما يقوم به المعاش يوم الثلاثاء وإذا تتبعت التواريخ وقفت على حوادث عظيمة في سائر الأيام ، ويكفي في هذا الباب أن حادثة عاد استوعبت أيام الأسبوع فقد قال سبحانه : { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وثمانية أَيَّامٍ حُسُوماً } [ الحاقة : 7 ] فإن كانت النحوسة لذلك فقل لي أي يوم من الأسبوع خلا منها ؟ا ومثل أمر النحوسة فيما أرى أمر تخصيص كل يوم بعمل كما يزعمه كثير من الناس ، ويذكرون في ذلك أبياتاً نسبها الحافظ الدمياطي لعليّ كرم الله تعالى وجهه وهي :
فنعم اليوم ( يوم السبت ) حقا *** لصيد إن أردت بلا امتراء
وفي ( الأحد ) البناء لأن فيه *** تبدى الله في خلق السماء
وفي ( الاثنين ) إن سافرت فيه *** سترجع بالنجاح وبالثراء
ومن يرد الحجامة ( فالثلاثا ) *** ففي ساعاته هرق الدماء
وإن شرب امرأ يوماً دواءا *** فنعم اليوم يوم ( الأربعاء )
وفي ( يوم الخميس ) قضاء حاج *** فإن الله يأذن بالقضاء
وفي ( الجمعات ) تزويج وعرس *** ولذات الرجال مع النساء
وهذا العلم لا يدريه إلا *** نبي أو وصى الأنبياء
ولا أظنها تصح ، وقصارى ما أقول : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا دخل في ذلك لوقت ولا لغيره ، نعم لبعض الأوقات شرف لا ينكر كيوم الجمعة وشهر رمضان وغير ذلك ، ولبعضها عكس ذلك كالأوقات التي تكره فيها الصلاة لكن هذا أمر ومحل النزاع أمر فاحفظ ذاك ، والله تعالى يتولى هداك .
{ إنا أرسنا عليهم ريحا صرصراً } : أي ريحا عاتية ذات صوت شديد .
في يوم نحس مستمر : أي في يوم نحسٍ أي شؤم مستمر دائم الشؤم قوِيَّة حتى هلكوا .
أرسل تعالى عليهم ريحاً صرصراً ذات صوت شديد في يوم نحس وكان مساء الأربعاء لثمان خلون من شهر شوال مستمر بشدة وقوم وشؤم عليهم مدة سبع ليال وثمانية أيام .
- بيان عقوبة المكذبين لرسول الله وما نزل بهم من العذاب في الدنيا قبل الآخرة .