مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٞ} (6)

واعلم أنه تعالى لما ذكر المقسم به ، ذكر المقسم عليه وهو أمور ثلاثة : ( أحدها ) قوله : { إن الإنسان لربه لكنود } قال الواحدي : أصل الكنود منع الحق والخير والكنود الذي يمنع ما عليه ، والأرض الكنود هي التي لا تنبت شيئا ثم للمفسرين عبارات ، فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة : الكنود هو الكفور قالوا : ومنه سمي الرجل المشهور كندة لأنه كند أباه ففارقه ، وعن الكلبي الكنود بلسان كندة العاصي وبلسان بني مالك البخيل ، وبلسان مضر وربيعة الكفور ، وروى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن : ( الكنود ) هو الكفور الذي يمنع رفده ، ويأكل وحده ، ويضرب عبده ، وقال الحسن : ( الكنود ) اللوام لربه يعد المحن والمصائب ، وينسى النعم والراحات ، وهو كقوله : { وأما إذا ما ابتلاه فقدره عليه رزقه فيقول ربي أهانن } .

واعلم أن معنى الكنود لا يخرج عن أن يكون كفرا أو فسقا ، وكيفما كان فلا يمكن حمله على كل الناس ، فلابد من صرفه إلى كافر معين ، أو إن حملناه على الكل كان المعنى أن طبع الإنسان يحمله على ذلك إلا إذا عصمه الله بلطفه وتوفيقيه من ذلك ، والأول قول الأكثرين قالوا : لأن ابن عباس قال : إنها نزلت في قرط بن عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشي ، وأيضا فقوله : { أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور } لا يليق إلا بالكافر ، لأن ذلك كالدلالة على أنه منكر لذلك الأمر .