قوله تعالى : { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون } اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : { الذين } موضعه رفع بالابتداء . و{ أولئك } ابتداء ثان و{ يؤمنون به } خبره .
المسألة الثانية : المراد بقوله : { الذين آتيناهم الكتاب } من هم فيه قولان :
القول الأول : أنهم المؤمنون الذين آتاهم الله القرآن واحتجوا عليه من وجوه . ( أحدها ) : أن قوله : { يتلونه حق تلاوته } حث وترغيب في تلاوة هذا الكتاب ، ومدح على تلك التلاوة ، والكتاب الذي هذا شأنه هو القرآن لا التوراة والإنجيل ، فإن قراءتهما غير جائزة . ( وثانيها ) : أن قوله تعالى : { أولئك يؤمنون به } يدل على أن الإيمان مقصور عليهم ، ولو كان المراد أهل الكتاب لما كان كذلك . ( وثالثها ) : قوله : { ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون } والكتاب الذي يليق به هذا الوصف هو القرآن .
( القول الثاني ) : أن المراد بالذين آتاهم الكتاب ، هم الذين آمنوا بالرسول من اليهود ، والدليل عليه أن الذين تقدم ذكرهم هم أهل الكتاب فلما ذم طريقتهم وحكى عنهم سوء أفعالهم ، أتبع ذلك بمدح من ترك طريقتهم ، بل تأمل التوراة وترك تحريفها وعرف منها صحة نبوة محمد عليه السلام .
أما قوله تعالى : { يتلونه حق تلاوته } فالتلاوة لها معنيان . ( أحدهما ) : القراءة . ( الثاني ) : الإتباع فعلا ، لأن من اتبع غيره يقال تلاه فعلا ، قال الله تعالى : { والقمر إذا تلاها } فالظاهر أنه يقع عليهما جميعا ، ويصح فيهما جميعا المبالغة لأن التابع لغيره قد يستوفي حق الإتباع فلا يخل بشيء منه ، وكذلك التالي يستوفي حق قراءته فلا يخل بما يلزم فيه ، والذين تأولوه على القراءة هم الذين اختلفوا على وجوه . ( فأولها ) : أنهم تدبروه فعملوا بموجبه حتى تمسكوا بأحكامه من حلال وحرام وغيرهما . ( وثانيها ) : أنهم خضعوا عند تلاوته ، وخشعوا إذا قرؤا القرآن في صلاتهم وخلواتهم . ( وثالثها ) : أنهم عملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه ، وتوقفوا فيما أشكل عليهم منه وفوضوه إلى الله سبحانه . ( ورابعها ) : يقرؤنه كما أنزل الله ، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ، ولا يتأولونه على غير الحق . ( وخامسها ) : أن تحمل الآية على كل هذه الوجوه لأنها مشتركة في مفهوم واحد ، وهو تعظيمها ، والانقياد لها لفظا ومعنى ، فوجب حمل اللفظ على هذا القدر المشترك تكثيرا لفوائد كلام الله تعالى والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.