نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (121)

ولما أفصح بمن يستحق النذارة منهم بتغيير الدين بأهوائهم فأفهم{[4771]} من يستحق البشارة تلاه بالإفصاح بالقسمين : من يستحق البشارة منهم ، ومن يستحق النذارة ، فقال : { الذين آتيناهم الكتاب } أي التوراة والإنجيل { يتلونه حق تلاوته } قال ابن عباس رضي الله عنهما : يتبعونه حق اتباعه ، من تلا فلان فلاناً إذا تبعه - رواه عنه أبو عبيد{[4772]} .

وهي ناظرة إلى قوله قريباً{[4773]} : { وهم يتلون الكتاب } أي لا حق تلاوته بل{[4774]} تلاوة ليس فيها تدبّر لمعانيه ولا عمل بما فيه ؛ هذا إذا جعلناه حالاً ، وإن جعلناه خبراً وقوله : { أولئك } {[4775]}أي العظيمو الرتبة خاصة{[4776]} { يؤمنون به } خبراً ثانياً فالمعنى أن من لم يؤمن بالكتاب{[4777]} حق الإيمان من غير تحريف له ، لا إخفاء لشيء فيه{[4778]} لما انتفى عنهم المقصود بالذات وهو الانتفاع بالكتاب المؤتى انتفى عنهم أصل الإيتاء لأنه تجرد عن الفائدة ؛ والضمير في { به } يصح أن يكون للهدى . قال الحرالي : وحقية{[4779]} الأمر هي وفاؤه إلى غايته ، والإحاطة به إلى جماع حدوده حتى لا يسقط منه شيء ولا يقصر{[4780]} فيه غاية إشعاراً{[4781]} باشتمال{[4782]} الكتاب على أمر محمد صلى الله عليه وسلم{[4783]} .

ولما وصف المؤمنين به ولم يبين ما لهم أتبعه بالكافرين{[4784]} فقال : { ومن يكفر به }{[4785]} أي بالكتاب ، ثم حصر الخسر{[4786]} فيهم بقوله : { فأولئك } أي البعداء البغضاء { هم } خاصة { الخاسرون } فافهم أن المؤمنين به هم الرابحون{[4787]} ؛ ومن الوصف بالخسار{[4788]} يعلم أنهم كانوا على حق وشيء يمكن الربح فيه بتكملة الإيمان بكتابهم بالإيمان{[4789]} بالكتاب الخاتم فضيعوه فخسروا ، فإنه لا يخسر إلا من له أصل مال متهيىء للنماء والربح - والله أعلم .


[4771]:من م ومد و ظ، وفي الأصل: فإنهم.
[4772]:في مد: أبو عبيدة
[4773]:في الأصل: فريقا –كذا، والتصحيح من بقية الأصول
[4774]:في مد: بلا -كذا
[4775]:ليست في ظ
[4776]:ليست في ظ
[4777]:ليست في ظ
[4778]:ليست في ظ
[4779]:كذا في الأصل، وفي مد و ظ حقيقة، وفي م: حقيقة –كذا
[4780]:في م و ظ ومد: تقصّر
[4781]:في م ومد: إشعار
[4782]:في ظ: باشمال
[4783]:قال أبو حيان الأندلسي في بيان سبب نزول الآية: قال ابن عباس: نزلت في أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب وكانوا اثنين وثلاثين من أهل الحبشة وثمانية من رهبان الشام، وقيل: كان بعضهم من أهل نجران وبعضهم من أهل الحبشة ومن الروم، وثمانية ملاحون أصحاب السفينة أقبلوا مع جعفر؛ وقال الضحاك: هم من آمن من اليهود كابن سلام وابن صوريا وابن يامين وغيرهم، وقيل: في علماء اليهود وأحبار النصارى، وقال ابن كيسان: الأنبياء والمرسلون، وقيل: المؤمنون، وقيل: الصحابة –قاله عكرمة وقتادة، وعلى هذا الاختلاف يتنزل الاختلاف في "الكتاب" أهو التوراة أو الإنجيل أو هما والقرآن أو الجنس فيكون يعني به المكتوب فيشمل الكتب المتقدمة.
[4784]:في مد: الكافرين
[4785]:ليس في م
[4786]:في م: الحشر
[4787]:من م،وفي بقية الأصول: راسخون
[4788]:في مد: بالخسارة، وفي ظ: بالخسارة
[4789]:ليس في م