الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (121)

وقوله تعالى : { الذين آتيناهم الكتاب يَتْلُونَهُ . . . } [ البقرة :121 ] .

قال قتادة : المراد ب { الَّذِينَ } في هذا الموضع : مَنْ أَسْلَمَ من أمَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، و{ الكتابُ } على هذا التأويل : القرآن ، وقال ابنُ زَيْد : المراد مَنْ أسلم من بني إِسرائيل ، والكِتَابُ على هذا التأويلِ : التوراةُ ، و{ ءاتيناهم } معناه : أعطيناهم ، و { يَتْلُونَهُ } معناه : يتبعونه حقَّ اتباعه بامتثال الأمر والنهي ، قال أحمد بن نَصْرالداودِيُّ : وهذا قول ابن عباس ، قال عِكْرِمَةُ : يقال : فلانٌ يتلو فلاناً ، أي : يتبعه ، ومنه : { والقمر إِذَا تلاها } [ الشمس : 2 ] أي : تبعها ، انتهى .

وللَّه دَرُّ مَنِ اتبع كلامَ ربِّهِ ، واقتفي سُنَّة نبيِّه ، وإِن قلَّ عِلْمُهُ ، قال القُضَاعِيُّ في اختصاره لِلمدارك : قال في ترجمة سُحْنُون : كان سُحْنُون يقول : " ومَثَلُ العلْمِ القليلِ في الرجُلِ الصالحِ مَثَلُ العَيْنِ العَذْبَةِ ، في الأرض العَذْبة ، يزرع علَيْها صاحبُها ما ينتفعُ به ، ومَثَلُ العلْمِ الكثيرِ في الرجُلِ الطالحِ ، مَثَلُ العَيْن الخَرَّارة ، في السَّبِخَةِ ، تهرُّ الليلَ والنَّهارَ ، ولا ينتفعُ بها " انتهى .

وقيل : { يَتْلُونَهُ } يقرءونه حقَّ قراءته ، وهذا أيضاً يتضمَّن الاِتّباع والاِمتثالَ ، و{ حَقَّ } : مصدرٌ ، وهو بمعنَى أفْعل ، والضمير في { بِهِ } عائدٌ على الكتاب ، وقيل : يعود على محمَّد صلى الله عليه وسلم ، لأن مُتَّبِعِي التوراةِ يجدُونه فيها ، فيؤمنون به ، والضميرُ في { يَكْفُرْ بِهِ } يحتمل من العود ما ذكر في الأول .