قوله تعالى { قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم . قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون } .
اعلم أن الذين اعتقدوا أن الملائكة أتوا بالمعصية في قولهم { أتجعل فيها من يفسد فيها } قالوا : إنهم لما عرفوا خطأهم في هذا السؤال رجعوا وتابوا واعتذروا عن خطئهم بقولهم { سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا } والذين أنكروا معصيتهم ذكروا في ذلك وجهين . الأول : أنهم إنما قالوا ذلك على وجه الاعتراف بالعجز والتسليم بأنهم لا يعلمون ما سئلوا عنه وذلك لأنهم قالوا إنا لا نعلم إلا ما علمتنا فإذا لم تعلمنا ذلك فكيف نعلمه ، الثاني : أن الملائكة إنما قالوا { أتجعل فيها } لأن الله تعالى أعلمهم ذلك فكأنهم قالوا إنك أعلمتنا أنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء فقلنا لك أتجعل فيها من يفسد فيها وأما هذه الأسماء فإنك ما أعلمتنا كيفيتها فكيف نعلمها . وههنا مسائل :
المسألة الأولى : احتج أصحابنا بقوله تعالى { لا علم لنا إلا ما علمتنا } على أن المعارف مخلوقة لله تعالى وقالت المعتزلة المراد أنه لا علم لنا إلا من جهته إما بالتعليم وإما بنصب الدلالة والجواب أن التعليم عبارة عن تحصيل العلم في الغير كالتسويد فإنه عبارة عن تحصيل السواد في الغير لا يقال التعليم عبارة عن إفادة الأمر الذي يترتب عليه العلم لو حصل الشرط وانتفى المانع ولذلك يقال علمته فما تعلم والأمر الذي يترتب عليه العلم هو وضع الدليل والله تعالى قد فعل ذلك لأنا نقول المؤثر في وجود العلم ليس هو ذات الدليل بل النظر في الدليل وذلك النظر فعل العبد فلم يكن حصول ذلك العلم بتعليم الله تعالى وأنه يناقض قوله { لا علم لنا إلا ما علمتنا } .
المسألة الثانية : احتج أهل الإسلام بهذه الآية على أنه لا سبيل إلى معرفة المغيبات إلا بتعليم الله تعالى وأنه لا يمكن التوصل إليها بعلم النجوم والكهانة والعرافة ونظيره قوله تعالى { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } وقوله { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول } وللمنجم أن يقول للمعتزلي إذا فسرت التعليم بوضع الدلائل فعندي حركات النجوم دلائل خلقها الله تعالى على أحوال هذا العالم فإذا استدللت بها على هذه كان ذلك أيضا بتعليم الله تعالى ، ويمكن أن يقال أيضا إن الملائكة لما عجزوا عن معرفة الغيب فلأن يعجز عنه أحدنا كان أولى .
المسألة الثالثة : العليم من صفات المبالغة التامة في العلم ، والمبالغة التامة لا تتحقق إلا عند الإحاطة بكل المعلومات ، وما ذاك إلا هو سبحانه وتعالى ، فلا جرم ليس العليم المطلق إلا هو ، فلذلك قال { إنك أنت العليم الحكيم } على سبيل الحصر .
المسألة الرابعة : الحكيم يستعمل على وجهين . أحدهما : بمعنى العليم فيكون ذلك من صفات الذات ، وعلى هذا التفسير نقول : إنه تعالى حكيم في الأزل . الآخر : أنه الذي يكون فاعلا لا اعتراض لأحد عليه . فيكون ذلك من صفات الفعل ، فلا نقول إنه حكيم في الأزل والأقرب ههنا أن يكون المراد هو المعنى الثاني وإلا لزم التكرار ، فكأن الملائكة قالت : أنت العالم بكل المعلومات فأمكنك تعليم آدم ، وأنت الحكيم في هذا الفعل المصيب فيه . وعن ابن عباس : أن مراد الملائكة من الحكيم ، أنه هو الذي حكم بجعل آدم خليفة في الأرض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.