قوله تعالى : { قَالُواْ سُبْحَانَكَ } . . " سُبْحان " اسمُ مصدرٍ وهو التسبيح ، وقيل : بل هو مصدرٌ لأنه سُمِعَ له فعلٌ ثلاثي ، وهو من الأسماء اللازمةِ للإِضافة وقد يُفْرَدُ ، وإذا أُفْرِد مُنِعَ الصرفَ للتعريفِ وزيادةِ الألفِ والنونِ كقوله :
أقولُ لَمَّا جاءني فَخْرُه *** سُبْحَانَ مِنْ علقَمَةَ الفاخِرِ
سبحانَه ثم سُبْحاناً نعوذُ به *** وقبلَنَا سبَّح الجُودِيُّ والجُمُدُ
فقيل : صُرِف ضرورةً ، وقيل : هو بمنزلة قبلُ وبعدُ ، إن نُوي تعريفُه بقي على حالِه ، وإن نُكِّر أُعْرِبَ منصرفاً ، وهذا البيتُ يساعِدُ على كونِهِ مصدراً [ لا اسمَ مصدرٍ ] لورودِه منصرفاً . ولقائلِ القولِ الأولِ أن يُجيبَ عنه بأنّ هذا نكرةٌ لا معرفةٌ ، وهو من الأسماءِ اللازمةِ النصبَ على المصدريةِ فلا يتصرَّفُ ، والناصبُ له فعلٌ مقدرٌ لا يجوزُ إظهارُه ، وقد رُوي عن الكسائي أنه جَعَلَه منادى تقديرُه : يا سبحانَك ، وأباه الجمهورُ من النحاةِ ، وإضافتُه [ هنا ] إلى المفعولِ لأنَّ المعنى : نُسَبِّحُك نحنُ . وقيل : بل إضافتُه للفاعل ، والمعنى : تنزَّهْتَ وتباعَدْتَ من السوء وسبحانَك ، والعاملُ فيه في محلِّ نصبٍ بالقول .
قوله : { لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ } كقوله تعالى : { لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ البقرة : 2 ] و " إلاَّ " حرفُ استثناء ، و " ما " موصولةٌ ، و " علَّمتنا " صلتُها ، وعائدُها محذوفٌ ، على أن يكونَ " عِلْم " بمعنى مَعْلُوم ، ويجوزُ أنْ تكونَ مصدريةً وهي في محلِّ نصب على الاستثناءِ ، [ ولا يجوزُ أن تكونَ منصوبةً بالعِلْم الذي هو اسمُ لا لأنه إذا عَمِل كان مُعْرباً ] ، وقيل : في محلِّ رفعٍ على البدلِ من اسم " لا " على الموضع . وقال ابن عطية : " هو بدلٌ من خبر التبرئة كقولهم : " لا إلهَ إلا اللهُ " وفيهِ نظرٌ ، لأن الاستثناءَ إنما هو من المحكومِ عليه بقيدِ الحكم لا مِن المحكومِ به . وَنقَل هو عن الزهراوي أنَّ " ما " منصوبَةٌ بعلَّمْتَنَا بعدَها ، وهذا غيرُ معقولٍ لأنه كيف ينتصِبُ الموصولُ بصلتِه وتَعْمَلُ فيه ؟ قال الشيخُ : " إلا أَنْ يُتَكَلَّف لَه وجهٌ بعيدٌ ، وهو أن يكونَ استثناءً منقطعاً بمعنى لكنْ ، وتكونُ " ما " شرطيةً ، و " علَّمتنَا " ناصبٌ لها وهو في محلِّ جَزْمٍ بها والجوابُ محذوفٌ ، والتقديرُ : لكنْ ما علَّمْتنا عَلِمناه .
قولُه : { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } أنتَ يَحتمِلُ ثلاثةَ أوجهٍ ، أن يكونَ تأكيداً لاسم إنَّ فيكونَ منصوبَ المحلِّ ، وأن يكونَ مبتدأ خبرُه ما بعده والجملةُ خبرُ إنَّ ، وأن يكونَ فَصْلاً ، وفيه الخلافُ المشهورُِ ، وهل له محلُّ إعرابٍ أم لا ؟ وإذا قيل : إنَّ له محلاًّ ، فهل بإعرابِ ما قبلَه كقولِ الفراء فيكونُ في محلِّ نصبٍ ، أو بإعراب ما بعده ، فيكونُ في محلِّ رَفعٍ كقول الكسائي ؟ و " الحكيمُ " خبَرٌ ثانٍ أو صفةٌ للعليم ، وهما فَعِيل بمعنى فاعِل ، وفيهما من المبالغةِ ما ليس فيه .
والحُكْم لغةً : الإِتقانُ والمَنْع من الخروجِ عن الإِرادة ، ومنه حَكَمَةُ الدابَّة وقال جرير :
أبني حَنِيفَةَ أحْكِموا سفهاءَكُمْ *** إني أخافُ عليكُمُ أَنْ أغْضَبَا
وقَدَّم " العليم " على " الحكيم " لأنه هو المتصلُ به في قولِه : " عَلَّم " وقولِه : " لا عِلْمَ لنا " ، فناسَبَ اتَّصالَه به ، ولأنَّ الحِكْمَةَ ناشئةٌ عن العِلْمِ وأثرٌ له ، وكثيراً ما تُقَدَّمُ صفةُ العِلْم عليها ، والحكيمُ صفةُ ذاتٍ إنْ فُسِّر بذي الحكمةِ ، وصفةُ فِعْلٍ إنْ فُسِّر بأنه المُحْكِمُ لصَنْعَتِه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.