الآيتان 32 و 33 [ وقوله : ( قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) ]{[479]}
وقوله تعالى : ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ) يشبه أن يكون السابق إلى وهمهم معنى{[480]} أو خطر فعل مما{[481]} كان بالله خرج من أن يعقلوا حكمته : إما بما لم يبلغهم العلم بها أو يخطر ببالهم [ أنه تعالى كيف يأمرهم ؟ وهو يعلم أنهم لا يعلمون بها أو خطر ببالهم ]{[482]} من غير تحقيق ذلك ، ولكن على ما يبلى به الأخبار كقوله : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ) [ الحج : 52 ] الآية ، أو [ كان ]{[483]} كما لا يخلو به الممتحن عن الخواطر التي تبلغ المحنة بهم المجاهدة بها في دفعها ، وإن لم يكن بما يخطر ببالهم صنع ، فقالوا : ( سبحانك ) نزهوا عما خطر ببالهم ، وسبق إلى وهمهم ، ووصفوا بأنه ( العليم ) لا يخفى عليه شيء ( الحكيم ) لا يخطئ{[484]} في شيء ، ولا يخرج فعله عن الحكمة ، وبالله التوفيق والعصمة .
وفي الآية منع التكلم في الشيء إلا بعد العلم به ، والفزع به إلى الله تعالى عن القول به إلا بعلم . وهذا هو الحق الذي يلزم كل من عرف الله تعالى ، وبه أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) [ الإسراء : 36 ] الآية .
وسئل أبو حنيفة رضي الله عنه عن الإرجاء ما بدؤه ؟ فقال : ( فعل الملائكة إذا{[485]} سئلوا عن أمر ، لم يعلموا ، فوضوا ذلك إلى الله تعالى ) ومعنى الإرجاء نوعان :
أحدهما : محمود ، وهو إرجاء أصحاب الكبائر ليحكم الله تعالى فيهم بما يشاء ، ولا ينزلهم نارا ولا جنة لقوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ] .
[ والثاني ]{[486]} : الإرجاء المذموم هو الجبر ، أن ترجا الأفعال إلى الله تعالى ، لا يجعل للعبد فيه فعلا ولا تدبير شيء [ من ]{[487]} ذلك . [ وعلى ذلك ]{[488]} المروي [ في ما ]{[489]} قال صلى الله عليه وسلم : " صنفان من أمتي لا ينالهم شفاعتي القدرية والمرجئة " [ الترمذي 2149 ] والقدرية هي التي لم تر لله في فعل الخلق تدبيرا ، ولا له عليه قدرة التقدير ، والمرجئة هي التي لم تر للعبد في ما ينسب إليه من الطاعة والمعصية فعلا البتة . فأبطلت الشفاعة لهما ، وجعلت للمذهب الأوسط بينهما ؛ وهو الذي يحقق للعبد فعلا ولله تقديرا ، ومن العبد تحركا بخير وشر ، ومن الله خلقه . وذلك على المعقول مما عليه طريق العدل والحق أنه بين التفريط والتقصير . وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير الأمور أوساطها{[490]} " [ البيهقي في الكبرى 3/273 ] وكذلك قال الله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ] [ البقرة : 143 ] الآية ، ولا قوة إلا بالله .
[ قال ابن جريج ]{[491]} : ( سجود الملائكة لآدم [ عليه السلام ]{[492]} إيماء ) ولم يكن يحل وضع الوجه بالأرض لأحد ، [ وقال ابن ]{[493]} عباس رضي الله عنه ( كان سجود الملائكة /8-أ/ سجود تحية ، ولم يكن سجود عبادة ) ، [ وقال قتادة ]{[494]} : ( كانت الطاعة لله تعالى والسجدة لآدم عليه السلام إكراما له [ به ]{[495]} ، والله أعلم .
ثم{[496]} اختلف في إبليس ، قال بعضهم : هو من الملائكة ، وقال آخرون : لم يكن من الملائكة ، وهو قول{[497]} الحسن والأصم ؛ ذهبوا [ في ]{[498]} ذلك إلى وجوه :
أحدهما : ما ذكر عز وجل عن طاعة الملائكة له بقوله : ( لا يعصون الله ما أمرهم ) [ التحريم : 6 ] الآية{[499]} ، وقوله{[500]} : ( لا يسبقونه بالقول ) الآية{[501]} [ الأنبياء : 27 ] ، وقوله{[502]} : : ( لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ) [ الأنبياء : 19 ] ؛ وصف الله عز وجل طاعتهم له وائتمارهم إياه ، فلو كان اللعين الرجيم منهم لأطاعه كما أطاعوه{[503]} .
والثاني قوله : ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) [ الأعراف : 12 ] والملائكة إنما خلقوا من النور .
والثالث : قوله تعالى : ( كان من الجن ) [ الكهف : 50 ] ، ولم يقل من الملائكة ، فدلت هذه الآيات أنه لم يكن من الملائكة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.