" سبحان " : اسم مصدر ، وهو التسبيح ، وقيل : بل هو مصدر ؛ لأنه سمع له فعلٌ ثلاثيٌّ ، وهو من الأسماء اللاَّزمة للإضافة ، وقد يفرد ، وإذا أفرد ، منع الصَّرف للتعريف ، وزيادة الألف والنون ؛ كقوله : [ السريع ]
أَقُولُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ *** سُبْحَان . . . . . . . . . . . . . . . {[1081]}
وَقَدْ جَاءَ مُنَوَّناً كقوله : [ البسيط ]
سُبْحَانَهُ ثُمَّ سُبْحَاناً نَعُوذُ بِهِ *** وَقَبْلَنَا سَبَّحَ الْجُودِيُّ وَالْجُمُدُ{[1082]}
وقيل : هو بمنزلة " قَبْلُ " و " بعدُ " إن نوي تعريفه بقي على حاله ، وإن نكر أعرب منصرفاً ، وهذا البيت يساعد على كونه مصدراً لا اسم مصدر ، لوروده منصرفاً .
ولقائل القول الأول أن يجيب عنه بأن هذا نكرة لا معرفة ، وهو من الأسماء اللازمة النصب على المصدرية ، فلا ينصرف والناصب له فعل مقدر لا يجوز إظْهَاره ، وقد روي عن الكَسائِيّ أنه جعله مُنَادى تقديره : يا سُبْحَانك ومنعه جمهور النحويين وإضافته - هُنَا - إلى المفعول ؛ لأن المعنى : نسبحك نحن .
وقيل : بل إضافته للفاعل ، والمعنى تنزّهت وتباعدت من السُّوء .
وسبحانك العامل فيه في مَحَلّ نصب بالقول .
قوله : { لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا } كقوله : { لاَ رَيْبَ فِيهِ } و " إلاّ " حرف استثناء ، و " ما " موصولة ، و " علمتنا " صلتها ، وعائدها محذوف ، على أن يكون " علم " بمعنى " معلوم " ، ويجوز أن تكون مصدرية ، وهي في محلّ نصب على الاستثناء ، ولا يجوز أن تكون منصوبةً بالعلم الذي هو اسم " لا " ؛ لأنه إذا عمل كان معرباً .
وقيل : في محلّ رفع على البَدَلِ من اسم " لا " على الموضع .
وقال ابن عطية : هو بدلٌ من خبر التبرئة كقولهم : " لا إله إلا الله " ، وفيه نظر ؛ لأن الاستثناء إنَّمَا هو من المحكوم عليه بقيد الحكم لا من المحكوم به .
ونقل هو عن " الزّهراوي " : أن " ما " منصوبةٌ ب " علمتنا " بعدها ، وهذا غير معقول ؛ لأنه كيف ينتصب الموصول بصلته وتعمل فيه ؟
قال أبو حيان : إلاّ أن يتكلّف له وجه بعيد ، وهو أن يكون استثناء منقطعاً بمعنى لكن ، وتكون " ما " شرطية ، و " علمتنا " ناصب لها ، وهو في محل جزم بها ، والجواب محذوف ، والتقدير : " لكن ما علمتنا علمناه " .
قوله : { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } .
أحدها : أن يكون تأكيداً لاسم " إنَّ " فيكون منصوب المحل ، وأن يكون مبتدأ ، وخبره ما بعده ، والجملة خبر " إنَّ " ، وأن يكون فصلاً ، وفيه الخلاف المشهور .
وإذا قيل : إن له محلاًّ ، فهل بإعراب ما قبله كما قال الفراء{[1083]} ، فيكون في محل نصب ، أو بإعراب ما بعده فيكون في محل رفع كقول الكسائي ؟
قوله : " الحكيم " خير ثانٍ أو صفة " العليم " ، وهما " فعيل " بمعنى " فاعل " وفيهما من المُبالَغة ما ليس فيه .
و " الحكيم " لغة : الإتقان ، والمنع من الخروج عن الإرادة ، ومنه حَكَمَةُ الدابة ؛ وقال جَرِيرٌ : [ الكامل ]
أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ *** إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ أَنْ أَغْضَبَا{[1084]}
وقدم " العليم " على " الحكيم " ؛ لأنه هو المتّصل به في قوله : " وعلم " ، وقوله : " لا عِلْمَ لنا " فناسب اتصاله به ؛ ولأن الحِكْمَةَ ناشئةٌ عن العلم وأثر له ، وكثيراً ما تقدّم صفة العلم عليها .
والحكيم صفةُ ذاتٍ إن فسر بذي الحِكْمَةِ ، وصفة فعل إن فسر بأنه المحكم لصنعته فكأن الملائكة قالت : أنت العالم بكل المعلومات ، فأمكنك تعليم آدم ، وأنت الحكيم في هذا الفعل المصيب فيه .
وعن " ابن عباس " أن مراد الملائكة من " الحكيم " أنه هو الذي حكم بجعل آدم - عليه الصلاة والسلام - خليفةً في الأرض{[1085]} .
احتج أَهْلُ الإسلام بهذه الآية على أنه لا سَبِيْلَ إلى معرفة المغيبات إلا بتعليم الله - تعالى - وأنه لا يمكن التوصُّل إليها بعلم النجوم والكهانة ، ونظيره قوله تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ } [ الأنعام : 59 ] وقوله : { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً } [ الجن : 26 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.