نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (32)

{ قالوا } متبرئين من العلم { سبحانك }{[1617]} أي ننزهك تنزيهاً {[1618]}يجل عن الوصف{[1619]} عن أن ننسب{[1620]} إليك نقصاً في علم أو صنع ، ونتبرأ إليك مما يلزم قولنا من ادعاء العلم لسواك . {[1621]}

قال الحرالي : وفي هذا المعنى إظهار لفضلهم وانقيادهم وإذعانهم توطئة لما يتصل به من إباء إبليس - انتهى . والحاصل أنه تصريح بتنزيه الله تعالى عن النقص وتلويح بنسبته إليهم اعتذاراً منهم عما وقعوا فيه ، ولذا قالوا : { لا علم لنا } أي أصلاً{[1622]} { إلا ما علمتنا }{[1623]} فهو دليل على أنه لا سبيل إلى علم شيء من الأشياء إلا بتعليم الله . قال الحرالي{[1624]} : رداً لبدء الأمر لمن له البدء{[1625]} ، ولذلك ورد في أثارة{[1626]} من علم : من لم يختم{[1627]} علمه بالجهل لم يعلم ، وذلك الجهل هو البراءة من العلم إلا ما علم الله - انتهى .

ثم خصوه بما نفوه عن أنفسهم فقالوا : { إنك أنت } أي وحدك { العليم } {[1628]}أي العالم بكل المعلومات{[1629]} { الحكيم } أي فلا يتطرق{[1630]} إلى صنعك فساد بوجه{[1631]} فلا اعتراض أصلاً{[1632]} قال الحرالي : توكيد وتخليص وإخلاص للعلم والحكمة لله وحده ، وذلك من أرفع الإسلام ، لأنه إسلام القلوب ما حلاها الحق سبحانه{[1633]} به ! فإن العلم والحكمة نور القلوب الذي تحيى به كما أن الماء رزق الأبدان الذي تحيى به ! فإن العلم والحكمة نور القلوب الذي تحيا به كما أن الماء رزق الأبدان الذي تحيا به ؛ والحكمة جعل تسبيب بين أمرين يبدو بينهما تقاض من السابق واستناد من اللاحق - انتهى{[1634]} .

وأصلها في اللغة المنع من الفساد ولا يكون ذلك إلا عن تمام العلم . {[1635]}


[1617]:اعتراف بالعجز والقصور وإشعار بأن سؤالهم كان استفسارا ولم يكن اعتراضا وأنه قد بان لهم ما خفى عليهم من فضل الإنسان والحكمة في خلقه، وإظهار لشكر نعمته بما عرفهم وكشف لهم ما اعتقل عليهم، ومراعاة للأدب بتفويض العلم كله إليه. وقال علي المهائمي: "سبحانك" أي ننزهك تنزيها عن أن يقصر علمك أو تشارك فيه أو تعبث في فعلك، وإنما سألناك استفسارا واسترشادا لأنه "لا علم لنا إلا ما علمتنا" وإنما لما تعلمناها ابتداء إذ "أنك أنت العليم" بأن حقائقنا لا تقتضي العلم بها بلا واسطة وقد جعلت الوسائط مع قدرتك على الأفعال ابتداء لأنك أنت "الحكيم" – انتهى كلامه.
[1618]:ليست في ظ.
[1619]:ليست في ظ.
[1620]:في ظ: ينسب.
[1621]:ليس في ظ.
[1622]:في البحر المحيط: ولما سأل تعالى الملائكة ولم يكن عندهم علم بالجواب وكانوا قد سبق منهم قولهم "أتجعل فيها من يفسد فيها" الآية أرادوا أن يجيبوا بعدم العلم إلا ما علمهم، فقدموا بين يدي الجواب تنزيه الله اعتذارا وأدبا منهم في الجواب وإشعارا بأن ما صدر منهم قبل يمحوه هذا التنزيه لله تعالى فقالوا "سبحانك" ثم أجابوا بنفي العلم بلفظ لا التي بنيت معها النكرة فاستغرق كل فرد من أنواع العلوم، ثم استثنوا من ذلك ما علمهم هو تعالى فقالوا "إلا ما علمتنا" وهذا غاية في ترك الدعوى والاستلام التام للمعلم الأول الله تعالى} قال أبو عثمان المغربي: ما جلاء الخلق إلا لدعاوى، ألا ترى أن الملائكة قالوا: "ونحن نسبح بحمدك" كيف ردوا إلى الجهل حتى قالوا: "لا علم لنا" وروى معنى هذا الكلام عن جعفر الصادق – انتهى كلامه.
[1623]:العبارة من هنا إلى "بتعليم الله" ليست في ظ.
[1624]:ليس في ظ.
[1625]:في ظ: البداء- كذا.
[1626]:في م وظ: أثاره.
[1627]:في مد: لم تختم وفي ظ: لم يحتم – كذا.
[1628]:ليست في ظ.
[1629]:ليست في ظ.
[1630]:فلا نتطرق.
[1631]:ليست في ظ.
[1632]:ليست في ظ.
[1633]:ليس في م ومد.
[1634]:العبارة من هنا إلى "تمام العلم" ليست في ظ.
[1635]:قال أبو حيان الأندلسي: فانظر إلى حسن هذا الجواب كيف قدموا بين يديه تنزيها لله، ثم اعترفوا بالجهل، ثم نسبوا إلى الله العلم والحكمة، وناسب تقديم الوصف بالعلم على الوصف بالحكمة لأنه المتصل به في قوله "وعلم" "أنبئوني" "لا علم لنا" فالذي ظهرت به المزية لآدم والفضيلة هو العلم، فناسب ذكره متصلا به، لأن الحكمة إنما هي آثار العلم وناشئة عنه، ولذلك أكثر ما جاء في القرآن تقديم الوصف بالعلم على الوصف بالحكمة. ولأن يكون آخر مقالهم مخالفا لأوله حتى يبين رجوعهم عن قولهم "أتجعل فيها" وعلى القول بأن الحكيم هو ذو الحكمة يكون الحكيم صفة ذات وعلى القول بأنه المحكم لصنعته يكون صفة فعل – انتهى.