السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (32)

{ قالوا } أي : الملائكة إقراراً بالعجز وإشعاراً بأنّ سؤالهم كان استفساراً ولم يكن اعتراضاً وأنه قد بان لهم ما خفي عليهم من فضل الإنسان والحكمة في خلقه وإظهاراً لشكر نعمته بما عرفهم وكشف لهم ما التبس عليهم { سبحانك } تنزيهاً عن الاعتراض عليك { لا علم لنا إلا ما علمتنا } إياه وفي هذا مراعاة للأدب بتفويض العلم كله إليه سبحانه وتعالى وتصدير الكلام بسبحان اعتذار عن الاستفسار والجهل بحقيقة الحال فإنه تعالى منزه عن أن يفعل ما يخرج عن الحكمة ، ولذلك جعل مفتاح التوبة فقال موسى عليه الصلاة والسلام : { سبحانك تبت إليك } ( الأعراف ، 143 ) وقال يونس عليه الصلاة والسلام : { سبحانك إني كنت من الظالمين } ( الأنبياء ، 87 ) .

تنبيه : اجتمع في قوله تعالى : { أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } أربع مدّات ، الأولى : أنبئوني ، والثانية بأسماء ، والثالثة والرابعة هؤلاء إن ، فالأول مدّ بدل ، والثاني مدّ متصل ، والثالث مدّ منفصل ، والرابع مخير لا متصل قطعاً ولا منفصل قطعاً عند من يقول بإسقاط إحدى الهمزتين ، فأمّا الأوّل فلورش فيه المدّ والتوسط والقصر ، وأمّا الثاني فبالمدّ للجميع لأنه متصل ، وأمّا الثالث ففيه المدّ والقصر كما تقدّم لأنه منفصل ، وأمّا الرابع وهو أولاء إن ففيه همزتان مكسورتان من كلمتين فقالون والبزي يسهلان الأولى مع المدّ والقصر ، وورش وقنبل يسهلان الثانية ويجعلانها حرف مدّ ، وأبو عمرو يسقط الأولى والثانية فمن قال بإسقاط الأولى مدّ وقصر ، ومن قال بإسقاط الثانية فبالمدّ فقط ، وباقي القرّاء يحققون الهمزتين وهم على مراتبهم في المدّ { إنك أنت العليم } الذي لا يخفى عليه خافية { الحكيم } المحكم لمبدعاته الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة ، وأنت ضمير فصل ، وقيل : تأكيد للكاف كما في قولك : مررت بك أنت وإن لم يجز مررت بأنت إذ التابع يسوغ فيه ما لا يسوغ في المتبوع ، وقيل : مبتدأ خبره ما بعده والجملة خبر إن .