الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (32)

{ قَالُواْ سُبْحَانَكَ } : تنزيهاً لك عن الاعتراض لعلمك في حكمك وتدبيرك ، وهو نصب على المصدر ، أي نسبح سبحاناً في قول الخليل .

وقال الكسائي : خارج عن الوصف ، وقيل : على النداء المضاف أي : يا سبحانك . { لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ } بخلقك { الْحَكِيمُ } في أمرك .

وللحكيم معنيان : أحدهما : المحكم للفعل ، كقوله : { عذاب أليم } ، وحز وجيع . قال الشاعر :

أمن ريحانة الداعي السّميع *** يؤرّقني وأصحابي هموع

أي المؤلم والموجع ، والمسمع فعيل بمعنى : مُفعل وعلى هذا التأويل هو صفة فعل .

والآخر : بمعنى ( الحاكم العالم ) وحينئذ يكون صفة ذات ، وأصل الحكمة في كلام العرب : المنع . يُقال : أحكمت اليتيم عن الفساد وحكمته ، أي منعته .

قال جرير :

أبني حنيفة احْكِموا سفهاءكم *** إني أخاف عليكم أن أغضبا

ويقال للحديدة المعترضة في فم الدابة : حكمة ؛ لأنها تمنع الدآبة من الأعوجاج ، والحكمة تمنع من الباطل ، ومالا يجمل فلا يحلّ في المحكم من الأمر بمنعه من الخلل ، وفي هذه الآية دليل على جواز تكليف ما لا يُطاق حيث أمر الله تعالى الملائكة بإنباء مالم يعلموا ، وهو عالم بعجزهم عنه .