مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَأَجۡمِعُواْ كَيۡدَكُمۡ ثُمَّ ٱئۡتُواْ صَفّٗاۚ وَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡيَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ} (64)

ثم إنه تعالى لما حكى عنهم مبالغتهم في التنفير عن موسى عليه السلام والترغيب في إبطال أمره حكى عنهم أنهم قالوا : { فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا } قرأ أبو عمرو بوصل الألف وفتح الميم من أجمعوا يعني لا تدعوا شيئا من كيدهم إلا جئتم به دليله قوله : { فجمع كيده } وقرأ الباقون بقطع الألف وكسر الميم وله وجهان : أحدهما : قال الفراء : الإجماع الأحكام والعزيمة على الشيء ، يقال : أجمعت على الخروج مثل أزمعت . والثاني : بمعنى الجمع وقد مضى الكلام في هذا عند قوله : { فأجمعوا أمركم وشركاءكم } قال الزجاج : ليكن عزمكم كلكم كاليد مجمعا عليه لا تختلفوا ثم ائتوا صفا ، ذكر أبو عبيدة والزجاج وجهين : أحدهما : أن الصف موضع الجمع والمعنى ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم ، والمعنى : ائتوا مصلى من المصليات أو كان الصف علما للمصلى بعينه فأمروا بأن يأتوه . والثاني : أن يكون الصف مصدرا والمعنى ثم ائتوا مصطفين مجتمعين لكي يكون أنظم لأمركم وأشد لهيبتكم ، وهذا قول عامة المفسرين ، وقوله : { وقد أفلح اليوم من استعلى } اعتراض ، يعني : وقد فاز من غلب فكانوا يقرون بذلك أنفسهم فيما اجتمعوا عليه من إظهار ما يظهرونه من السحر .