مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

ثم إن الله تعالى لما وصف الشعراء بهذه الأوصاف الذميمة بيانا لهذا الفرق استثنى عنهم الموصوفين بأمور أربعة : أحدها : الإيمان وهو قوله : { إلا الذين آمنوا } ، وثانيها : العمل الصالح وهو قوله : { وعملوا الصالحات } ، وثالثها : أن يكون شعرهم في التوحيد والنبوة ودعوة الخلق إلى الحق ، وهو قوله : { وذكروا الله كثيرا } ، ورابعها : أن لا يذكروا هجو أحد إلا على سبيل الانتصار ممن يهجوهم ، وهو قوله : { وانتصروا من بعد ما ظلموا } قال الله تعالى : { لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } ثم إن الشرط فيه ترك الاعتداء لقوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقيل المراد بهذا الاستثناء عبد الله بن رواحة وحسان ابن ثابت وكعب بن مالك وكعب بن زهير لأنهم كانوا يهجون قريشا ، وعن كعب بن مالك : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : أهجهم ، فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من رشق النبل » وكان يقول لحسان بن ثابت «قل وروح القدس معك » .

فأما قوله تعالى : { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } فالذي عندي فيه والله أعلم أنه تعالى لما ذكر في هذه السورة ما يزيل الحزن عن قلب رسوله صلى الله عليه وسلم من الدلائل العقلية ، ومن أخبار الأنبياء المتقدمين ، ثم ذكر الدلائل على نبوته عليه السلام ، ثم ذكر سؤال المشركين في تسميتهم محمدا صلى الله عليه وسلم تارة بالكاهن ، وتارة بالشاعر ، ثم إنه تعالى بين الفرق بينه وبين الكاهن أولا ثم بين الفرق بينه وبين الشاعر ثانيا ختم السورة بهذا التهديد العظيم ، يعني إن الذين ظلموا أنفسهم وأعرضوا عن تدبر هذه الآيات ، والتأمل في هذه البينات فإنهم سيعلمون بعد ذلك أي منقلب ينقلبون وقال الجمهور : المراد منه الزجر عن الطريقة التي وصف الله بها هؤلاء الشعراء ، والأول أقرب إلى نظم السورة من أولها إلى آخرها ، والله أعلم .

والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد النبي الأمي وآله وصحبه أجمعين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .