البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا يُنصَرُونَ} (41)

وجعل هنا بمعنى : صير ، أي صيرناهم أئمة قدوة للكفار يقتدون بهم في ضلالتهم ، كما أن للخير أئمة يقتدى بهم ، اشتهروا بذلك وبقي حديثهم .

وقال الزمخشري : وجعلناهم : دعوناهم ، أئمة : دعاة إلى النار ، وقلنا : إنهم أئمة دعاة إلى النار ، وهو من قولك : جعله بخيلاً وفاسقاً إذا دعاه فقال : إنه بخيل وفاسق .

ويقول أهل اللغة في تفسير فسقه وبخله : جعله بخيلاً وفاسقاً ، ومنه قوله عز وجل : { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً } ومعنى دعوتهم إلى النار : دعوتهم إلى موجباتها من الكفر . انتهى .

وإنما فسر جعلناهم بمعنى دعوناهم ، لا بمعنى صيرناهم ، جرياً على مذهبه من الاعتزال ، لأن في تصييرهم أئمة ، خلق ذلك لهم .

وعلى مذهب المعتزلة ، لا يجوّزون ذلك من الله ، ولا ينسبونه إليه ، قال : ويجوز خذلناهم حتى كانوا أئمة الكفر ، ومعنى الخذلان : منع الإلطاف ، وإنما يمنعها من علم أنه لا ينفع فيه ، وهو المصمم على الكفر ، الذي لا تغني عنه الآيات والنذر .

انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال أيضاً .