مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا وَتَخۡلُقُونَ إِفۡكًاۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ لَكُمۡ رِزۡقٗا فَٱبۡتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزۡقَ وَٱعۡبُدُوهُ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥٓۖ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (17)

ثم قال تعالى : { إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا } .

ذكر بطلان مذهبهم بأبلغ الوجوه ، وذلك لأن المعبود إنما يعبد لأحد أمور ، إما لكونه متحقا للعبادة بذاته كالعبد يخدم سيده الذي اشتراه سواء أطعمه من الجوع أو منعه من الهجوع ، وإما لكونه نافعا في الحال كمن يخدم غيره لخير يوصله إليه كالمستخدم بأجرة ، وإما لكونه نافعا في المستقبل كمن يخدم غيره متوقعا منه أمرا في المستقبل ، وإما لكونه خائفا منه . فقال إبراهيم : { إنما تعبدون من دون الله أوثانا } إشارة إلى أنها لا تستحق العبادة لذاتها لكونها أوثانا لا شرف لها .

قوله تعالى : { إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون } .

إشارة إلى عدم المنفعة في الحال وفي المآل ، وهذا لأن النفع ، إما في الوجود ، وإما في البقاء لكن ليس منهم نفع في الوجود ، لأن وجودهم منكم حيث تخلقونها وتنحتونها ، ولا نفع في البقاء لأن ذلك بالرزق ، وليس منهم ذلك ، ثم بين أن ذلك كله حاصل من الله فقال : { فابتغوا عند الله الرزق } فقوله : { الله } إشارة إلى استحقاق عبوديته لذاته وقوله : { الرزق } إشارة إلى حصول النفع منه عاجلا وآجلا وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : قال : { لا يملكون لكم رزقا } نكرة ، وقال : { فابتغوا عند الله الرزق } معرفا فما الفائدة ؟ فنقول قال الزمخشري قال : { لا يملكون لكم رزقا } نكرة في معرض النفي أي لا رزق عندهم أصلا ، وقال معرفة عند الإثبات عند الله أي كل الرزق عنده فاطلبوه منه ، وفيه وجه آخر وهو أن الرزق من الله معروف بقوله : { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } والرزق من الأوثان غير معلوم فقال : { لا يملكون لكم رزقا } لعدم حصول العلم به وقال : { فابتغوا عند الله الرزق } الموعود به ، ثم قال : { فاعبدوه } أي اعبدوه لكونه مستحقا للعبادة لذاته واشكروا له أي لكونه سابق النعم بالخلق وواصلها بالرزق { وإليه ترجعون } أي اعبدوه لكونه مرجعا منه يتوقع الخير لا غير .