مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{هَٰذَا بَيَانٞ لِّلنَّاسِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ} (138)

ثم قال تعالى : { هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين } ويعني بقوله : { هذا } ما تقدم من أمره ونهيه ووعده وذكره لأنواع البينات والآيات ، ولا بد من الفرق بين البيان وبين الهدى وبين الموعظة ، لأن العطف يقتضي المغايرة فنقول فيه وجهان : الأول : أن البيان هو الدلالة التي تفيد إزالة الشبهة بعد أن كانت الشبهة حاصلة ، فالفرق أن البيان عام في أي معنى كان ، وأما الهدى فهو بيان لطريق الرشد ليسلك دون طريق الغي . وأما الموعظة فهي الكلام الذي يفيد الزجر عما لا ينبغي في طريق الدين ، فالحاصل أن البيان جنس تحته نوعان : أحدهما : الكلام الهادي إلى ما ينبغي في الدين وهو الهدى . الثاني : الكلام الزاجر عما لا ينبغي في الدين وهو الموعظة .

الوجه الثاني : أن البيان هو الدلالة ، وأما الهدى فهو الدلالة بشرط كونها مفضية إلى الاهتداء ، وقد تقدم هذا البحث في تفسير قوله : { هدى للمتقين } في سورة البقرة .

المسألة الرابعة : في تخصيص هذا البيان والهدى والموعظة للمتقين وجهان . أحدهما : أنهم هم المنتفعون به ، فكانت هذه الأشياء في حق غير المتقين كالمعدومة ونظيره قوله تعالى : { إنما أنت منذر من يخشاها } { إنما تنذر مع من اتبع الذكر } { إنما يخشى الله من عباده العلماء } وقد تقدم تقريره في تفسير قوله : { هدى للمتقين } الثاني : أن قوله : { هذا بيان للناس } كلام عام ثم قوله : { وهدى وموعظة } للمتقين مخصوص بالمتقين ، لأن الهدى اسم للدلالة بشرط كونها موصلة إلى البغية ، ولا شك أن هذا المعنى لا يحصل إلا في حق المتقين ، والله أعلم بالصواب .