مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّلۡمُحۡسِنِينَ} (3)

وقوله : { هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون }

فقوله { هدى } أي بيانا وفرقانا ، وأما التفسير فمثل تفسير قوله تعالى : { الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى } [ البقرة : 1 و2 ] وكما قيل هناك إن المعنى بذلك هذا ، كذلك قيل بأن المراد بتلك هذه ، ويمكن أن يقال كما قلنا هناك إن تلك إشارة إلى الغائب معناها آيات القرآن آيات الكتاب الحكيم وعند إنزال هذه الآيات التي نزلت مع { الم * تلك آيات الكتاب الحكيم } لم تكن جميع الآيات نزلت فقال تلك إشارة إلى الكل أي آيات القرآن تلك آيات ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال في سورة البقرة { ذلك الكتاب } [ البقرة : 2 ] ولم يقل الحكيم ، وههنا قال { الحكيم } [ لقمان : 2 ] فلما زاد ذكر وصف الكتاب زاد ذكر أمر في أحواله فقال : { هدى ورحمة } وقال هناك { هدى للمتقين } [ البقرة : 2 ] فقوله : { هدى } في مقابلة قوله : { الكتاب } وقوله : { ورحمة } في مقابلة قوله : { الحكيم } ووصف الكتاب بالحكيم على معنى ذي الحكم كقوله تعالى : { في عيشة راضية } [ الحاقة : 21 ] أي ذات رضا .

المسألة الثانية : قال هناك { للمتقين } وقال ههنا { للمحسنين } لأنه لما ذكر أنه هدى ولم يذكر شيئا آخر قال : { للمتقين } أي يهتدي به من يتقي الشرك والعناد والتعصب ، وينظر فيه من غير عناد ، ولما زاد ههنا رحمة قال : { للمحسنين } أي المتقين الشرك والعناد الآتين بكلمة الإحسان فالمحسن هو الآتي بالإيمان والمتقي هو التارك للكفر ، كما قال تعالى : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } ومن جانب الكفر كان متقيا وله الجنة ، ومن أتى بحقيقة الإيمان كان محسنا وله الزيادة لقوله تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } ولأنه لما ذكر أنه رحمة قال : { للمحسنين } لأن رحمة الله قريب من المحسنين .